التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار 15 ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير 16}

صفحة 2876 - الجزء 4

  الثاني: هو عام، عن ابن عباس، وهو قول أبي علي، وأبي مسلم، وعليه أكثر الفقهاء، والآية وإن نزلت في يوم بدر فلا يجوز قصرها عليه كسائر الأوامر والنواهي في السورة.

  واختلفوا، فقيل: الفئة الفرقة المقاتلة، وقيل: الإمام وجماعة المسلمين وهو الصحيح؛ لأنه إذا كثر المشركون، وخاف المؤمن الهلاك وسع له التولي إلى الإمام والمسلمين.

  وعن ابن عمر: كنا في جيش فانهزمنا، فلما أتينا النبي ÷ قلنا: نحن الفَرَّارون، فقال: «بل أنتم العكارون، أنا فئة المسلمين».

  وروي أن خالد بن الوليد ومن كان معه انهزموا في مؤتة.

  واختلفوا، فقيل: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفًا وأكثر حرم الفرار، والانهزام أصلاً.

  وقيل: إذا كان العدو ثلاثة أمثال المسلمين حل الفرار، وإلا لم يحل.

  وقيل: هو على ما يغلب على رأيه واجتهاده، فإن ظن المقاومة لم يحل الفرار، وإن ظن الهلاك حل، وهذا هو الصحيح؛ لأنه - تعالى - لم يفصل عددًا من عدد، فإن كان الحال حال وجاء وطمع لم يحل الفرار، والواجب أن ألا ينحرف ويقاتل، وإن كان الحال يخالف ذلك جاز الانحراف، وقد قال سبحانه: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وعلى هذا الآية، ثابتة، وحكمها ثابت، على التفصيل الذي ذكرنا.