قوله تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون 67 وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم 68 كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون 69 ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 70}
  «بخلاقهم»: بنصيبهم من الدين، قال ابن عباس: بدينهم، يعني: استوفوا [أجر حسناتهم]، وقيل: حظهم من قِبَلهِمْ، عن الحسن فسلكتم أيها المنافقون سبيلهم «فَاسْتَمْتَعْتُمْ» انتفعتم «بِخَلاقِكُمْ» بنصيبكم من الدنيا ونعيم الآخرة بها «كمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا» دخلتم في الكفر والباطل والكذب على الله وتكذيب رسله والاستهزاء بدينه كما خاض أولئك، وقيل: خضتم في عمران الدنيا الشاغلة أهلها عن أمر دينهم، عن أبي مسلم ... «أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ» أي: بطول ثواب أعمالهم، وقيل: بطلت أعمالهم - «فِي الدُّنْيَا»، «وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» قيل: خسروا أنفسهم بأن أوردوها النار، وقيل: خسروا الجنة، عن الأصم.
  ثم بَيَّنَ تعالى تفصيل حال من قبلهم، فقال سبحانه: «أَلَمْ يَأْتِهِمْ» يعني المنافقين والكافرين «نَبَأُ الَّذِينَ» أي: خبر الَّذِينَ «مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم حين عصوا اللَّه ورسوله وخالفوا أمره حتى أهلكهم اللَّه تعالى وهم «قَوْمِ نُوحٍ» أهلكوا بالطوفان «وَعَادٍ» قوم هود أهلكوا بالريح الصرصر «وَثَمُودَ» أهلكوا بالرجفة «وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ» بسلب النعمة وهلاك نمرود «وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ» قوم شعيب أهلكوا بعذاب يوم الظلة، ومدين اسم البلدة التي فيها قوم شعيب، وقيل: مدين بن إبراهيم، اسم له فنسبت البلدة إليه «وَالْمُؤْتَفِكَاتِ» [المنقلبات]، وهم قوم لوط، عن الحسن، وقتادة وغيرهم، وقال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} وههنا: «والمؤتفكات» قيل: جمعت؛ لأنها كـ قربات وحرمات، فجمعت تارة، وجاءت على طريق الجنس تارة «أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج، وفي الكلام حذف وهو: فكذبوهم وعصوا اللَّه كما فعلتم، فأهلكهم اللَّه، فاحذروا مثل حالهم «فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ» ابتداء العقوبة، ولكن عاقبهم باستحقاق «وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» حيث عصوا اللَّه، فاستحقوا العقاب.