التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون 107 لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين 108 أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين 109 لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم 110}

صفحة 3268 - الجزء 5

  فتصير قلوبهم إلى التقطع والبلى، أراد أنهم لا يؤمنون، عن أبي علي، وأبي مسلم.

  وقيل: هم أهل الطبع الَّذِينَ لا يؤمنون «إلا أن تقطع» استثناء لبعضهم، وهو من اشتد خوفه يعني يتوبون توبة تتقطع منها قلوبهم، حكاه الأصم، وقيل: حتى تنشق قلوبهم غيظًا وغمًا وحسرة «وَاللَّهُ علِيمٌ» بضمائرهم «حَكِيمٌ» فيما يجازيهم به، عن أبي مسلم. وقيل: عليم بكل شيء، حكيم في جميع أفعاله، عن أبي علي.

  · الأحكام: تدل الآية الأولى أن في أفعال الجوارح ما يكون كفرًا؛ لأنه تعالى نص أن اتخاذهم المسجد ضرارٌ وكُفْرٌ.

  وتدل على أن المسجد المتخذ للإضرار وتفريق المؤمنين لا تحل عمارته، ولا القيام والصلاة فيه.

  وتدل على أنه لم يَصِرْ مسجدًا؟. إذ لو صار مسجدًا لأمر بإخراجهم، ولم يَنْهَ عن الصلاة فيه، ولا هَدَمَهُ رسول اللَّه ÷.

  وتدل على أن الفعل يقع على وجوه بالإرادة، فيقع على وجه يكون طاعة، وعلى وجه آخر يكون معصية؛ لأن المسجد إذا بني للضرار كان كفرًا، وإذا بني لله وذِكْرِهِ كان قربة وطاعةً.

  وتدل على قبح الكذب والحلف بالكذب، وعلى أن ذلك كبير.

  وتدل الآية الثانية على أنه لا ينبغي تكثير سواد أهل البدع.

  وتدل على أنه يحب المتطهرين، وحمله أبو علي على التطهير من الذنوب، والتطهير للصلاة، ولا بد منه لأن محبة اللَّه لا تحصل إلا بهما جميعًا.