التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين 119 ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين 120 ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون 121}

صفحة 3292 - الجزء 5

  مع من صدقت نيته ومجانبة الكاذبين والمنافقين، عن أبي مسلم. وقيل: مع الَّذِينَ صدقت نياتهم واستقامت قلويهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول اللَّه ولم يتخلفوا عنه، عن ابن عباس. وقيل: (مع) بمعنى (مِن) أي: كمن جملتهم. وقيل: المراد بكونهم معهم ومتابعتهم عقلاً وقولاً وفعلاً، ونصرتهم، والذب عنهم، وموالاتهم. وقيل: هو خطاب للمنافقين الَّذِينَ اعتذروا بالباطل قيل: اتقوا الله، ولا تكذبوا، ولا تحلفوا كذبًا، وكونوا مع الثلاثة الَّذِينَ صدقوا فيمن اعتذروا، حكاه الأصم.

  «مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ» مدينة الرسول، وظاهره خبر ومعناه نهي، كقوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ} «وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ» من سكان البوادي وهم: مزينة، وجهينة، وأشجع، وغفار، وأسلم «. أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ» يعني في غزوته وجهاده «وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ» عن مصاحبته ومعاونته والجهاد معه والدفع عنه، بل عليهم نصرته والذب عنه والجهاد دونه، وقيل: لا يرغبون بأنفسهم أن تصيبهم من الشدائد مثل ما أصابه، عن الحسن. «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ» في سفرهم معه «ظَمَأٌ» عطش «وَلاَ نَصَبٌ» تعب «وَلا مَخْمَصَةٌ» مجاعة «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي: في الجهاد، وقيل: أراد الصبر على الجوع والعطش، وإلا فالجوع والعطش فعل اللَّه، فقال: لا يستحق العبد عليهما الثواب، وقيل: المراد بها الأعواض التي تجب لهم على ذلك. وقيل: أراد التعريض لأنفسهم للجوع والعطش بسبب خروجهم مع الرسول إلى الجهاد «وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا» موضعًا «يُغِيظُ الْكُفَّارَ» وطؤهم إياها، وقيل: أراد بقوله: «وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا»: الرَّجَّالة، وبقوله: «وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا»: الفرسان، «وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا» أي: لا يصيبون منهم إصابة مِنْ قَتْلٍ أو أسرٍ أو غنيمة أو هزيمة «إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ» يعني تكتبه الحفظة، قال ابن عباس: بكل روعة تنالهم في سبيل اللَّه ألف حسنة، وقيل: أراد بالكتابة الحفظ يعني كان محفوظًا عند اللَّه وكتابته وحفظه لإيجاب الثواب عليه، وليعلم أنه وفى حقوقهم، وفيه لطف للمكلفين «إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» الذين يحسنون العمل بأداء الطاعات، واجتناب المعاصي «وَلاَ يُنْفِقُونَ» أي: لا يعطون نفقة