التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقيل ياأرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين 44}

صفحة 3504 - الجزء 5

  «وَاستوَتْ» واستقرت يعني السفينة «عَلَى الْجُودِيِّ» قيل: جبل بناحية [آمد قرب] الموصل، عن الزجاج، وأبي علي، والأصم، وقيل: الجودي اسم لكل جبل وأرض صلبة، عن أبي مسلم، وقيل: أرسيت على الجبال شهرًا، وأهبطوا يوم عاشوراء، عن قتادة، وقيل: فصام نوح ومن معه ذلك اليوم شكرًا، وأمر نوح أن يقول: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} الآية. «وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» يحتمل أن يكون اللَّه تعالى قال ذلك، ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة، ويحتمل أن يكون من كلام نوح والمؤمنين، ومعنى (بُعْدًا) أي هلاكًا.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه اجتمع ماء الأرض وماء السماء، فانفجرت الأرض بالعيون، وأنزل من السماء.

  وتدل أن السفينة استقرت على الجودي، وذكر الأصم في تفسيره، قال: روي أن اللَّه تعالى أوحى إلى الجبال، أني أهبط السفينة على جبل منكم، فتطاولت الجبال، وتواضع الجودي، واستوت عليه السفينة، وروي نحوه، عن مجاهد، وهذا يحتمل ثلاثة وجوه:

  أحدها: أن يكون المراد أهل الجبل.

  وثانيها: أن يكون مثلاً.

  وثالثها: أن يكون معجزة لنوح مضمومة إلى سائر معجزاته.

  وتدل على إعجاز القرآن؛ لأن فيه من الفصاحة وعجيب البلاغة ما لا يقدر عليه بشر من وجوه:

  منها: أنه خرج مخرج الأمر على وجه التعظيم.

  ومنها: حسن تقابل المعنى.

  ومنها: ائتلاف الألفاظ المتلائمة.