قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}
  وقال: «إنه ليخيل إلي أن أقول الشيء وأفعله، ولم أقله ولم أفعله»، وهذا كله أباطيل وترهات، لا تجوز على اللَّه، ولا على رسوله؛ لأنه يبطل المعجزات بل يبطل الطريق إلى إثبات الصانع؛ إذ لو جاز ذلك لجاز أن يقال: إن ساحرًا خلق السماوات والأرض، وهذا كفر ممن يُجَوِّزُهُ.
  فأما حديث بنات لبيد بن الأعصم فيجوز أن يكونوا اعتقدوا السحر حقيقة، فأطلع اللَّه تعالى نبيه عليه حتى يعلموا أنه ليس بشيء، وتدل على معجزة له.
  فأما الرابع: فالذي هو كفر فوجهان: الأول: تجويز الاختراع والتصوير وعلم الغيب وما لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى؛ لأنه يبطل الطريق إلى إثبات الصانع. والثاني: تجويز ما جرى مجرى المعجزات؛ لأن معه لا يتمكن من معرفة النبوءات، وما عدا هذين ففسق يوجب التعزير، وليس بكفر.
  فمثال الأول: أن يجوز من أحدهم تغيير الصور، وأخذ الدراهم من الهواء ونحوها، ولا فرق بين أن يُجَوِّز فعله من الساحر، أو من النجوم، أو من الجن، فإني جميع ذلك كفر.
  ومثال الثاني: أن يجوز أن يطير بغير جناح، ويقطع المسافة البعيدة في مدة قريبة، ومن هذا القبيل سحر آل فرعون، وذلك كفر لما ذكرنا.
  ومثال الثالث: ما هو من جنس التضريب والنميمة، وسقي الأدوية والسموم؛ لأن ذلك يؤدي إلى إبطال الفضل، ولا يقدح في معجزة، وقد نبه اللَّه تعالى على الوجهين حيث أشار في بعضه إلى أنه كفر، وفي بعضه إلى أنه ضرر وتفريق بين الزوجين.
  فأما الفصل الخامس: فكل سحر هو كفر ففيه القتل؛ لأن حكمه حكم المرتد، وما ليس بكفر فهو فسق، وفيه التعزير.