التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير 106}

صفحة 538 - الجزء 1

  بهذه الآية أنه لا يخليهم من إنزال خير بهم خلاف ما تمنى أعداؤهم، وأنه أبدًا ينزل ما هو أصلح لهم، عن علي بن عيسى، وقيل: لما قص أخبار اليهود ومعائبهم في أقوالهم وأفعالهم، ورد عليهم ما راموا به الطعن في أمر نبينا ÷ وكان مما أنكروا نسخ شريعة كانت مفروضة - بَيَّنَ اللَّه تعالى جواز ذلك ردا عليهم، عن أبي مسلم.

  · المعنى: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» قيل: في الكلام حذف؛ لأن الآية لا تنسخ، فإما أن تريد حكم آية أو تلاوة آية، أو حفظ آية، واختلفوا في معنى «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» فقيل: المراد به النسخ الذي هو الرفع، عن الحسن وأكثر أهل العلم. وقيل: المراد به النسخ الذي هو من نسخت الكتاب، عن عطاء وسعيد بن المسيب. ومن قال بالقول الأول اختلفوا على أقوال: الأول: قيل: «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ»، وأنتم تقرؤْونها «أَوْ نُنسِهَا» أي من القرآن ما قرئ بينكم ثم ننسه، عن الحسن وأبي علي والأصم، فحملوا «ننسخ» على نسخ الحكم دون التلاوة، و «ننسها» على نسخ التلاوة.

  والحكم الثاني: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» أي ما نبدل، فينسخ الثاني حكم الأول، و «ننسها» أي نتركها فلا نبدلها، فيبقى غير منسوخ، فيجب العمل به، في معنى قول ابن عباس.

  الثالث: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» أي نرفعها، وننسخها بعد إنزالها. قراءة و «ننسأها» على قراءة الهمز أي نؤخرها فلا ننزلها أصلاً، وننزل بدلها ما يقوم مقامها في المصلحة، وقيل: نؤخرها إلى وقت ثان فتأتي بدلاً في الوقت الأول تقوم مقامها، وعلى قراءة «نُنسِهَا» نتركها فلا نرفعها، بل نبقيها على حالها ليعمل به.

  الرابع: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» بكتاب «أَوْ نُنسِهَا» نأمر بترك العمل بها كالذي يقرأ وينسخ حكمه. وتقديره: ما نسخناه بالكتاب، وما أمرنا بتركه، ولم ننسخ بالكتاب، عن الأصم، وننسها: قيل: من النسيان، عن قتادة، وقيل: من الترك، عن ابن عباس.