قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير 106}
  · الأحكام: الآية تدل على جواز النسخ في القرآن، وحَمْلُه على غيره عُدُولٌ عن الظاهر.
  وتدل على حدث القرآن؛ لأن القديم لا يصح نسخه، ولأنه أثبت له مثلاً، ولأنه بين اختصاصه بالقدرة عليه، ولأنه جوز فيه الترك والنسيان، والتقديم والتأخير كل ذلك يدل على حدثه.
  وتدل على أن النسخ مما يشق ويخف جائز؛ لأن قوله: «بِخَيرٍ» يعني أنفع وأصلح، وقد يكون ذلك فيما هو أشق، ويكون فيما هو أخف. وتدل على جواز نسخ القرآن بالقرآن وبالسنة، لأن مثلها وخيرًا منها ما هو أنفع، وهذا المعنى قد يحصل بالكتاب والسنة. واتفقوا على أن نسخ القرآن بالقرآن جائز، غير أبي مسلم، فإنه أَبَى ذلك، واختلفوا في نسخ الكتاب بالسنة، أو السنة بالكتاب، فقال أصحابنا: يجوز في الوجهين، وخالف في ذلك الشافعي وأصحابه؛ لأن السُّنَّةَ إذا كان بأمره ووحيه صح إضافته إليه تعالى، ولأنهما يستويان في العلم والعمل فجاز النسخ به، والآية تدل على الضد مما تعلق به بعض الشافعية، في منع نسخ القرآن بالسنة.
  والنسخ على ثلاثة أوجه: نسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ مجموع الأمرين، لأن كل واحد منهما تعبد، والآية تدل عليها؛ لأنها لم تُفَصِّلْ، فأما النسخ بالإجماع والقياس فلا يجوز؛ لأنها كالفرع على الكتاب والسنة، فأما النسخ بأخبار الآحاد فعند الأكثر لا يجوز، وقد جوز بعضهم، وليس بشيء؛ لأنها لا توجب العمل، ولا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ، وإنما خالف في ذلك اليهود فمنهم من يأباه عقلاً، ويزعم أنه بَدَاءٌ، ومنهم من يأباه سمعًا لخبر زعموا أنه من موسى #، وفيهم أيضًا من يجوز النسخ، وعندنا:
  الشرائع مصالح، فلا يمتنع أن تختلف بالأزمنة والأمكنة والمكلفين، والفرق بين البداء والنسخ مذكور في كتب الكلام.