التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال 17 للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد 18 أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب 19}

صفحة 3778 - الجزء 5

  يثبت، فينتفع به صاحبه والباطل يذهب باطلاً «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمثَالَ» أي: يبين الحق والباطل ويؤكدها بضرب الأمثال حتى لا تبقى شبهة «لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا» قيل: تم الكلام عند قوله: «الأمثالَ» واستأنف الكلام بقوله: «لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا» عن أبي القاسم، والحسن، والأصم. وقيل: بل يتصل بما قبله لأنه قال: الذي يبقى هو مثل المستجيب، والذي يذهب جفاء مثل من لا يستجيب، ثم بَيَّنَ الوجه في كل واحد منهما، عن القاضي. وقوله: «لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا» أي: أجابوا دعوة اللَّه، وآمنوا به وأطاعوه «الْحُسْنَى» قيل: الجنة، عن الحسن، والأصم، وأبي علي. وقيل: الخصلة الحسنى أو الحالة الحسنة، وهي صفة الثواب والجنة، عن أبي مسلم. «وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ» لله فلم يؤمنوا به «لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ» أي جعلوا ذلك بدل أنفسهم فِدًى من العذاب، ولا يقبل ذلك عنهم «أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ» قيل: هو مؤاخذة العبد بالذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يغفر له شيء، عن إبراهيم. وهذا لأن الكافر لا صغير في ذنبه، فكل ذنوبه كبائر، وإنما يطلق اسم الصغير بالإضافة إلى غيره، وقيل: سوء الحساب، أخذه به على التوبيخ والتقريع، عن أبي علي. وقيل: سوء الحساب المناقشة فيه لأنه يسؤوهم، وقيل: سوء الجزاء فسمى الحساب جزاء، وقيل: لا يقبل لهم طاعة ولا يغفر لهم معصية «وَمَأْوَاهُمْ» أي: مصيرهم «جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ» أي: الفراش والمصير، وقيل: بئس ما مهدوا لأنفسهم مصيرهم في الآخرة، وسمي المهاد مهادًا لأنه موضع المهاد لهم «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى» هذا استفهام والمراد