قوله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير 109}
  ذلك التمني والحسد من عند أنفسهم «مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» أن محمدًا رسول اللَّه ÷ والإسلام دين اللَّه، عن قتادة والربيع والسدي «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا» قيل: تجاوزوا عنهم، وقيل: أرسلوهم فإنهم لا يفوتون «حَتَّى يَأْتِي اللَّه بأَمرِه»، قيل: أَمْرُهُ يأتيكم بعقابهم، أو يعاقبهم هو، ثم أتاهم بأمره فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} عن أبي علي. وقيل: بأمره بآية القتل والسبي لبني قريظة، وجلاء بني النضير، عن ابن عباس. وقيل: بأمره بالقتل، عن قتادة. وقيل: بِحُكْمِهِ فيهم لبعض بالإسلام، ولبعض بالقتل، ولبعض بالسبي، عن الأصم. وقيل: «بِأَمْرِهِ» أي بالقيامة، واختلفوا في الآية، فقيل: إنها منسوخة نسختها آية السيف، عن ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وأبي جعفر محمد بن علي @ وجعفر بن مبشر وأبي علي، وقيل: ليس بمنسوخ، والمراد بالصفح الإعراض عنهم، والصبر على أذاهم «حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِهِ» من نصر المؤمنين وإظهار دينه «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» قيل: إنه قادر على عقابهم، وهو على كل شيء قدير، وقيل: هو قادر على أن يدعوهم إلى دينه بما أحب بما هو عنده الأبلغ في الحكمة، عن الزجاج، كأنه يقول: فيأمر بالصفح تارة، وبالعقاب أخرى، على حسب المصلحة، وقيل: أمهلوهم ولا يُفَوَّتُون؛ إذ هو قادر على كل شيء، يأخذهم متى شاء.
  · الأحكام: الآية تدل على أنهم كانوا معاندين؛ لذلك قال: «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ»، ولذلك حمل على قوم بأعيانهم، وهم العلماء الَّذِينَ يجوز عليهم التَّوَاطَؤ، ولهذا قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ}.
  وتدل على أن تمني مثل حال الغير يصح.
  وتدل على قبح الحسد، وأنه خصلة مذمومة.
  وتدل على أنَّ الحسد فِعْلُهْم؛ إذ لو كان خلقًا له لكان إضافته إليه أولى، ولَمَا صح أن يقول «مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ».