التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون 56 ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون 57 وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون 59 للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم 60}

صفحة 4056 - الجزء 6

  الإلهية وهو كونه قديماً، قادرًا، عالماً، سميعاً، بصيرًا، ليس كمثله شيء، ومن كان بهذه الصفة لا يجوز عليه اتخاذ الولد فكيف يجوز اتخاذ البنات، وفيه جواب لهم وتهديد «وَهُوَ الْعَزِيزُ» القادر الذي لا يمتنع عليه شيء «الْحَكيمُ» في صنعه وتدبيره لا يجوز عليه فعل القبيح، عن أبي علي.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى يرزق الكافر مع كفره، وينعم عليه لذلك قال: {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ}.

  وتدل على أن الرزق كله منه تعالى، بمعنى أنه الخالق لذلك لا يقدر عليه غيره.

  وتدل على أنهم يُسألون يوم القيامة عن افترائهم.

  وتدل على أن كل من زعم على اللَّه شيئاً لا حجة عليه أنه مفتر.

  ويدل قوله: {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} على سخف طريقتهم حيث اشتهوا البنين، وكرهوا البنات، وعدوه نقصًا، ثم أضافوه إلى اللَّه تعالى، وهذه طريقة الْمُجْبِرَة، كرهوا إضافة القبائح إليهم ثم أضافوها إلى اللَّه سبحانه.

  وتدل على أنهم كانوا يئدون، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}⁣[التكوير: ٨].

  ويدل قوله: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} أنه يوصف بأعظم الصفات والأسماء، فيبطل قول الْمُجْبِرَة في إضافة القبائح إليه، وهو منزه عن ذلك، وجعل قوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} كالعلة في ذلك، لأنه إذا كان قادرًا على ما يشاء عالماً بقبح القبيح وبغناه عنه فلا داعي له إلى فعله فلا يفعله.

  وتدل على أن الافتراء ووصف اللَّه بالشريك والولد فعلُهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.