قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم 129}
  أهل مكة فدعا بشيئين: نبي يهديهم، وأن يكون منهم، وهو ÷ بهذه الصفة «يَتْلُو» يقرأ «عَلَيهِمْ آيَاتِكَ» حججك، وقيل: هو القرآن، وهو أولى لتعلقه بالتلاوة «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ» يعني القرآن، فبالأول تلاوته ليعلموا أنه معجز، وأنه نبي، وبالثاني: يُعْلَمَ ما يتضمنه من الشرائع، وأدلة التوحيد، والعدل وغير ذلك من أحكامه، فلا يعد تكرارًا.
  وقيل: وصف الكتاب بصفتين مختلفتين: الأول: أنه مكتوب، والثاني: أنه حجة وبرهان. «وَالْحِكْمَةَ» قيل: السنة، عن قتادة. وقيل: المعرفة بالدين والفقه في التأويل، عن مالك بن أنس. وقيل: العلم بالأحكام التي لا تدرك إلا من جهة الرسول، عن ابن زيد. وقيل: هو صفة الكتاب كأنه وَصَفَهُ بأنه كتاب، وأنه حكمة، وأنه آيات، وقيل: هو العلم والعمل، عن ابن قتيبة. وقيل: مواعظ القرآن وحلاله وحرامه، عن مقاتل.
  «وَيُزَكِّيهِمْ» أي يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء من الإيمان والصلاح، عن أبي علي.
  وقيل: يشهد لهم بأنهم أزكياء يوم القيامة إذا شهدت كل نفس بما كسبت، عن الأصم، وقيل: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه، عن ابن جريج. وقيل: هو الطاعة لله والإخلاص، عن ابن عباس. «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ» القادر الذي لا يعجزه شيء، عن الأصم، وقيل: الغالب، عن الكسائي. وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي، عن المفضل، وكل ذلك يرجع إلى معنى قادر، وقيل: العزيز الذي لا يوجد مثله، عن ابن عباس كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهو العزيز المعز فعيل بمعنى مُفْعِلٍ، وهو خلاف الظاهر «الْحَكِيمُ» قيل: العليم، وقيل: المُحْكِم لأفعاله، عدل عن محكم إلى حكيم للمبالغة، وإنما ذكر هاتين الصفتين لاتصاله بالدعاء، كأنه قال:
  دعوناك لأنك قادر على إجابة دعائنا، العليم بضمائرنا، وبما هو أصلح لنا.
  · الأحكام: الآية تدل على أنهما دعوا لنبينا محمد ÷ وأنه كان مذكورًا فيما بينهم مُبَشَّرًا به.
  وتدل على سؤالهما له جميع شرائط النبوة؛ لأنه تجبّ التلاوة الأداء، ويجبّ التعليم البيان، ويجب الحكمة السُّنَّة.