التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين 130}

صفحة 596 - الجزء 1

  · النزول: روي أن عبد اللَّه بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام، وقال: لقد علمتم أن صفته في التوراة، فأسلم سلمة، وأَبَى مهاجِرٌ أن يسلم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية. وقيل: إنها نزلت في اليهود والنصارى، عن قتادة والربيع.

  · المعنى: لما بَيَّنَ تعالى قصة إبراهيم، وأن ملته ملة محمد، وإن كان في ملته زيادات، عقبه بذكر ما حيث على اتباعه، فقال تعالى: «وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ» أي يترك دينه وشريعته، وهو عام في جميع الكفار، «إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ»، قيل: أهلك نفسه وأوبقها، عن أبي عبيدة، وقيل: أضل نفسه، عن الحسن. وقيل: جهل قدره؛ لأن من جَهِلَ خالقه فهو جاهل بنفسه، عن الأصم، وقيل: أنفسهم حقيرة عندهم؛ إذ حملوها على الكفر، عن أبي علي. وقيل: معناه سفه نَفْسًا، ثم أضاف، وتقديره: إلا السفيه، وذكر النفس توكيدًا، يقال: هذا الأمر نَفْسُهُ، والسفه: الجهل، عن قطرب وأبي مسلم. قال أبو مسلم: ويحتمل وجهًا آخر، يعني جهل نفسه بما فيه من أدلة التوحيد «وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا» أي اخترناه بالرسالة، وقيل: أخذناه صافيا، والمعنى أنه خالص الدين لا يعبد سواه، «وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ»، قيل: من الفائزين، عن الزجاج. وقيل: مع آبائه الأنبياء في الجنة، عن ابن عباس. وقيل: في الآية تقديم وتأخير، وتقديره: ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين، وإذا صح الكلام من غير تقديم وتأخير كان أولى، وقيل: من الَّذِينَ يستوجبون على اللَّه الكرامة، وحسن الثواب، عن الحسن.

  · الأحكام: الآية تدل على أن ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد، لذلك قال: «وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ» وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.