التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 135}

صفحة 606 - الجزء 1

  والباطل، فقال تعالى: «وَقَالُوا» يعني اليهود والنصارى: «كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى» أي على دينهم، وليس المراد التخيير، وإنما المراد أن كل فرقة منهما تدعو إلى طرائقها «تَهْتَدُوا» يعني إذا فعلتم ذلك كنتم قد اهتديتم وصرتم على سنن الاستقامة «قُلْ» يا محمد «بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ» أي نتبع ملة إبراهيم، أي دينه. «حَنِيفًا» فيه قولان:

  الأول: قول أهل اللغة، فمنهم من قال: مستقيمًا على دين إبراهيم، وأصله الاستقامة، ثم يقال: أحنف تفاؤلاً، كما يقال: مفازة، عن أبي علي، وقيل: أصله الميل، يعني مالوا إلى دين الإسلام.

  والثاني: قول المفسرين، وفيه أربعة أقوال: قيل: الحنفية حج البيت، عن ابن عباس والحسن ومجاهد. وقيل: اتباع الحق، عن مجاهد. وقيل: اتباع إبراهيم في شرائعه التي هي شرائع الإسلام، وقيل: إخلاص الدين لله، وتقديره: بل نتبع ملة إبراهيم التي هي التوحيد، ونستقيم، ولا تناقض بين جملته وتفصيله، خلاف غيره من الأديان، كالتهود والتنصر، «وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ» فنفى الشرك عن ملته وأثبته في اليهود والنصارى، يعني ليس هو من اليهود حيث قالوا: عزير ابن اللَّه، ولا من النصارى حيث قالوا: المسيح ابن اللَّه.

  · الأحكام: الآية تدل على صحة الحجاج في الدين، وتدل على أن للمحتج أن يحتج بما يجري مجرى المناقضة لقوله، ويعدل عن الأدلة؛ لأن من المعلوم أن النبيّ ÷ احتج عليهم بالمعجزات، فلما لم يقبلوا رد عليهم ما يناقض مذهبهم، فقال: إن كان هذا الدين بالاتباع كما زعمتم، فالأولى ما اتفقت عليه الكلمة أنه حق وهو ملة إبراهيم.