التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم 76 ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين 77 وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين 78 ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين 79 وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون 80}

صفحة 4864 - الجزء 7

  ويدل ظاهر الآية أن حكم سليمان هو المأخوذ به، وليس فيه كيفية الحكم، والذي روي فيه ما بينا.

  ومتى قيل: حكم شريعتنا في هذه القصة كما قضى به أم بخلافه؟

  قلنا: جميع ذلك منسوخ عند أصحاب أبي حنيفة؛ لأن ما أفسدت الماشية لا يضمن صاحبها سواء كان ذلك ليلاً أو نهارًا، والحكم بأصل الغنم ومنافعه منسوخ بالاتفاق، لأن من يرى ضمانه يرى بالمثل أو بالقيمة، وقال بعضهم:

  وجوب الضمان غير منسوخ، ولكن جعل بدلاً منسوخ، والذي شرع النبي ÷ أنه يلزمه قيمة المتلف أو مثله، وهو قول الشافعي، وعنده ما أفسدت بالنهار فلا ضمان، وما أفسدت ليلاً ففيه الضمان؛ لأن على صاحب الماشية حفظها ليلاً، وقال بعضهم: ما حكم به سليمان ثابت في شريعتنا، وهو مروي عن الحسن، ولعل عنده أن شريعة من قبلنا تلزمنا إلا ما عرف نسخه.

  وتدل جمنى معجزة لداود وهو تسخير الجبال والطير.

  وتدل على جواز الكسب؛ لأنه أنعم عليه بأن عَلَّمَهُ عمل الدروع، وفي الآية استدعاء إلى الشكر بألطف الوجوه.

  وتدل على أن العلم بالصناعات نعمة من اللَّه تعالى؛ لأنها - أَجْمَعَ -

  ضرورية، ولأن بها يتم أمر الدين والدنيا.