التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون 154}

صفحة 657 - الجزء 1

  من قال: الروح غير الإنسان إلا أنه يجعله حيًّا وهذا فاسد؛ لأن الروح لا يكون حيًّا، والإنسان الحي هو الجثة وعليه الثواب والعقاب، والروح هو النفس المتردد في مخارق الإنسان وهو أجزاء الجوهر المسمى روحًا، وما رووا مرفوعًا «أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأنها جنود مجندة تأتلف وتختلف» ونحوها فغير صحيح؛ لأنها أخبار آحاد، وكل ذلك صفة الأحياء القادرين، وقد بينا أن الحي هو هذا الشخص، وقد تأوله بعض مشايخنا أنهم يصيرون أحياء في حواصلهم بحيث يرى من باطنه ظاهر الجنة، فيرون نعيم الجنة متى طاروا، فيزداد سرورهم، وهذا تعسف، والأقرب أن مثل هذه المذاهب والروايات تكون من دسيس الملحدة وأهل التناسخ، والصحيح أنهم أحياء بأبدانهم كما كانوا، وقد اختلف من قال: إنهم أحياء في الحال، فقال بعضهم: أحياء في قبورهم، وقيل: في الجنة، وقيل: عند السدرة في السماء، والأقرب هو الأول؛ ولذلك تزار قبورهم، ويعتقد أنهم فيها، وإنما خص الشهداء بذلك إكرامًا لهم، فإنه أطال حياتهم ترغيبًا في الجهاد، وإن كان من الجائز أن يكون غيرهم من المؤمنين كذلك، ولا يصح الاستدلال بقوله: {عِندَ رَبِّهِم} أنهم في الجنة، على ما ذكره أبو مسلم؛ لأنه يحتمل أن يريد به في المكان الذي عظم اللَّه تعالى قدرهم، كما يوصف الملك أنه مقرب وإن كان في الأرض.

  وقوله: «وَلَكِنْ لاَ تَشعُرُونَ» أي لا تعلمون أنهم أحياء، وقد بينا اختلافهم في المخاطبين به.

  · الأحكام: الآية تدل على أن كون الشهداء أحياء ولا ضرورة إلى ترك الظاهر فقلنا: هم أحياء في الحال.