التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم 1 يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد 2 ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد 3 كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير 4 ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 5}

صفحة 4911 - الجزء 7

  ومتى قيل: لِمَ لَمْ يقل: ترون؟

  قلنا: لأنه ذكر على سبيل التشبيه لا على التحقيق إذ لا شك ثَمَّ، وقيل: (ترى) كلمة لا تثنى ولا تجمع، وقيل: معناه كأنهم سكارى من شدة الاضطراب والذهول وليسوا بسكارى في الحقيقة، وقيل: تراهم سكارى من الفزع «وَمَا هُمْ بِسُكَارَى» من شرب الخمر.

  ثم بيّن السبب الذي صاروا لأجله كأنهم سُكارَى فقال سبحانه «وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»؛ إذ عاينوه تحيروا وزالت عقولهم.

  ثم حكى عن بعض الكفار مُعَجِّبًا رسوله من حالهم فقال سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ» أي: في إثباته وصفاته وما يتصل به من العدل والتوحيد، وقيل: كانت المجادلة في عبادة الأصنام، وقيل: كانت في النشأة الثانية، زعم أنه لا يقدر على إحياء العظام وهي رميم، وفي المعجزات، قيل: جادلوا استخفافاً وهزواً، والمجادلة المخاصمة «بِغَيرِ عِلْمٍ وَيَتَّبعُ كُلَّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ» يعني لا يعتمد في مناظرته على علم؛ بل يعتمد التقليد فيتبع كل شيطان مريد عاص عاد، قيل: من الجن، وقيل: من الجن والإنس «كُتِبَ عَلَيهِ» قيل: قضى عليه وحكم، وقيل: كتب الله في اللوح المحفوظ «عليه» قيل: على الشيطان، وقيل: على المجادل بالباطل «أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ» اتبعه ووالاه «فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ» عن الدين «وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ» يعني قضى أن الشيطان ضَالٌّ يضل ويدعو إلى ما يوجب النار.