التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين 155}

صفحة 660 - الجزء 1

  والثواب أكبر، وإنما عرفهم بذلك ليوطنوا أنفسهم على المكاره التي تلحقهم في حضرة الرسول لما لهم فيه من المصلحة.

  ويقال: ما سبب الخوف والابتلاء بهذه الأشياء؟

  قلنا: أما الخوف فلقصد المشركين لهم بالعداوة «وَالجوعِ» بالفقر للشُّغْل عن المعاش بالجهاد وأمور الدين، وقيل: للقحط الذي لحقهم «وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ» هلاك المواشي ونقصان الأموال، وقيل: الانقطاع بالجهاد عن العمارة «وَالأَنفُسِ» قيل:

  بالقتل في الحرب، وقيل: بالموت، وقيل: بالمرض، وقيل: بالشيب، «وَالثَّمَرَاتِ» يعني ذهابها بالجوائح، أو لا تخرج كما كانت تخرج من قبل، وروي عن الشافعي:

  الخوف خوف اللَّه تعالى، والجوع صيام رمضان، ونقص من الأموال الزكوات، والأنفس الأمراض، والثمرات الأولاد.

  ويقال: الابتلاء بهذه الأشياء لكونها لطفًا ومصلحة أم للعوض؟

  قلنا: للأمرين، فالغرض كونه لطفًا به يخرج عن حد العبث، والعوض يجب تبعًا، وبه يخرج عن حد الظلم.

  فأما وجه اللطف في ذلك فأشياء:

  أولها: أنه تعالى إذا أخبرهم بذلك، ووطنوا أنفسهم عليها سهل عليهم تحمل تلك المشاق في نصرة الرسول، ويكون أسرع إلى الجهاد واحتمال العوارض.

  ومنها: أن الكفار إذا شاهدوا المؤمنين يتحملون المشاق في نصرة الرسول وموافقته، وتنالهم هذه الأحوال، وهم لا يتغيرون في قوة البصيرة وبذل النفس، يعلمون أنهم إنما فعلوا ذلك وآثروا؛ لعلمهم بصحة هذا الدين، وما يرجون من العاقبة الجميلة، فلذلك سهل عليهم كل عسير، فيكون داعية لهم إلى دخول دينهم.

  ومنها: أنه تعالى أخبر بذلك فَوُجِدَ مَخْبَرٌ على وفاق خبره، ولحق المسلمين في بُدُوِّ الإسلام ذلك فكان معجزة له ÷ «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» أي أخبرهم بما لهم على الصبر في تلك المشاق من الثواب وحسن العاقبة.