التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون 23 فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين 24 إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين 25 قال رب انصرني بما كذبون 26 فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون 27 فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين 28 وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين 29 إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين 30}

صفحة 5043 - الجزء 7

  ومتى قيل: أيَّ ظُلْمٍ أتوا فاستحقوا العذاب؟

  فجوابنا: أعظم الظلم وهو الشرك والتكذيب، وقيل: إيذاءهم نوحاً والمؤمنين.

  «وَقُلْ» يا نوح «رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا» بالفتح المنزل، أي: الموضع، وبالضم الإنزال، وقيل: المنزل المبارك هو السفينة، لأنها سبب النجاة، عن أبي علي، وقيل: أراد بالمنزل المبارك المنزل بعد الخروج من السفينة؛ لأن تمام النجاة يكون به، عن مجاهد، وقيل: هو عام في كل وقت، «وَأَنْتَ خَيرُ الْمُنزِلِينَ» لأن اللَّه يحفظه ويحرسه في جميع الأحوال، ويدفع عنه المكاره، فلا إنزال كإنزاله، وقيل: إن غيره إما أن يُنْزِلَ بِكِرَاءٍ أو عَاريَّة أو بيع، وينزل وقتاً دون وقت، والله تعالى ينزل دائماً «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ» في قصة نوح، وقيل: فيما تقدم «لآيَاتٍ» لدلالات «وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ» قيل: مختبرين إياهم بتذكير العقاب؛ لننظر ما هم عاملون قبل نزول العقاب بهم، وقيل: مختبرين بالدلالات ليعلموا صانعهم ويشكروه، عن أبي علي، وقيل: لمبتلين في المستقبل، أي: يجب فيمن كلفناه أن يعتبر