التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 169}

صفحة 702 - الجزء 1

  والفحشاء: الفاحشة، وهي القبيحة، ونقيضه الحسنة، والفحشاء مصدر، نحو:

  ضَرّ وشر.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الشيطان وعداوته بَيّن ما يدعو إليه فقال تعالى: «إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ» قيل: المعاصي، عن السدي وقتادة، وقيل: ما يسوء الفاعل يعني عواقبه، «وَالْفَحْشَاءِ» قيل: الزنا، عن السدي، وقيل: السوء ما لا حد فيه، والفحشاء ما فيه حد، عن ابن عباس، «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ» قيل: هو دعواهم له الأولاد والأنداد ونسبتهم إليه الفواحش، عن أبي مسلم، وقيل: أراد به جميع المذاهب الفاسدة، وقيل: إنه تعالى لم يُفَصِّل ما يدعو إليه الشيطان من أنواع المعاصي؛ لأن ما يتصل بالمذاهب والاعتقادات دخل تحت قوله: «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» وجميع أفعال الجوارح دخل تحت قوله: (السوء)، ودخل تحت قوله: (الفحشاء) جميع الكبائر.

  ويقول: إذا كنا لا نشاهد الشيطان ولا نسمع كلامه، فكيف يدعو؟

  قلنا: نجد وسوسته في أنفسنا في الأمر بالمعاصي والتزيين والترغيب؛ ولذلك أمر تعالى بمجانبة المعاصي، وألا نلتفت إلى ترغيبه، ونَحذره لعداوته.

  ويُقال: يجب أن يكون الشيطان عارفًا بِاللَّهِ تعالى والحق والباطل، والحلال والحرام، والمذهب حتى يدعو إليها.

  قلنا: اختلفوا، فقيل: إنه عالم بجميع ذلك، ولكنه معاند، وقيل: يصح أن يكون في بعض ذلك مقلدًا فيدعو إليه وإن لم يكن عارفًا به، وقيل: يجوز أن يعلم من حال الملائكة معاداتهم للكفار، فيعلم عند ذلك بطلان تلك الاعتقادات فيدعو إليها.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الشيطان يوسوس، وأنه لا يقدر على ما سوى ذلك.

  وتدل على أن الوسوسة فعله؛ لذلك أضافها إليه وحذرنا منه وذمه، ولو كان خلقًا له لما صح ذلك، وكذلك يدل قوله: «وَأَنْ تَقُولُوا».