التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون 43 فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون 44 فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون 45 فألقي السحرة ساجدين 46 قالوا آمنا برب العالمين 47 رب موسى وهارون 48 قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين 49 قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون 50 إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين 51}

صفحة 5356 - الجزء 7

  · المعنى: ثم بيّن تعالى ما جرى بينهم عند الموعد، فقال سبحانه: «قَال لَهُمْ مُوسَى» وفي الكلام حذف يدل عليه باقي الكلام، كأنه قال: فلما اجتمعوا، وهذا من عجيب نظم القرآن «أَلْقُوا مَا أَنتُمْ ملْقُونَ» ليس هذا بِأَمْرٍ، وإنما هو تَحَدٍّ، تقديره: إن كان حقًّا كما تقولون فألقوا، وقيل: قاله تهاوناً، وقيل: أراد ألقوا ليظهر الحق «فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ» وقد صيروها بالألوان وجعلوا الزئبق في وسطها يوهمون أنها حيات وثعابين «وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ» فحلفوا أنهم يغلبون موسى، ولما رأى ذلك موسى ألقى عصاه فصار ثعباناً وفتح فاه «فَإِذَا هِيَ» يعني الثعبان «تَلْقَفُ» أي: تبتلع «مَا يَأْفِكونَ» يعني ما يوهمون به الانقلاب زورًا وبطلاناً، وهي العصي والحبال «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ» قيل: سجدوا خاضعين.

  ومتى قيل: ما الذي ألقاهم ساجدين؟

  فجوابنا: قيل: الحق الذي عرفوه بالحجة التي بهرتهم دعاهم إلى أن يسجدوا، فكأنها هي ألقتهم، وقيل: ألقوا أنفسهم ساجدين لما عرفوه من الحق.

  ومتى قيل: لم سماهم سحرة في هذا الوقت؟

  فجوابنا: قيل: تعريفًا، وقيل: علم السحر لا ينافي الإيمان، وإنما ينافيه اعتقاد صحته وفعله، ولعل كثيرًا من المسلمين يعرفون وجوه الحيل في ذلك.

  «قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ»، وأضافوه إليهما؛ لأنهم دعوا إليه، وأخلصا له العبادة، والناس يعتقدون ربوبية فرعون، فعند ذلك «قَال» فرعون «آمَنْتُمْ لَهُ» يحتمل اللَّه تعالى ويحتمل لموسى «قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ» يعني موسى «لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ» تمويه آخر. «فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» تهديد لهم «لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ» يعني قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قَالُوا لَا ضَيْرَ»، أي: لا ضرر علينا وإن فعلت ذلك «إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ» أي: في جنب ما نصير إليه من رحمة اللَّه ومغفرته «إِنَّا نَطْمَعُ» نرجو «أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» أي: أول المؤمنين من أهل زماننا وفي هذا المجمع، وقيل: أول المؤمنين بآيات