التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين 105 إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون 106 إني لكم رسول أمين 107 فاتقوا الله وأطيعون 108 وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين 109 فاتقوا الله وأطيعون 110 قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون 111 قال وما علمي بما كانوا يعملون 112 إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون 113 وما أنا بطارد المؤمنين 114 إن أنا إلا نذير مبين 115 قالوا لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين 116 قال رب إن قومي كذبون 117 فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين 118 فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون 119 ثم أغرقنا بعد الباقين 120 إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 121 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 122}

صفحة 5372 - الجزء 7

  أولاهما: أنه نهاهم في الأول عن الكفر والمعاصي، وأمرهم بتقوى اللَّه وطاعته.

  وفي الثاني: بين أنه أمين ولا يسأل أجرًا، فاتقوا اللَّه في انتسابي إلى الخيانة واتهامي بما لا يجوز عليّ.

  وقيل: كرر تأكيداً كالداعي لغيره إلى أمر يكرر المدعو.

  وقيل: في الأول: دعاهم إلى اللَّه وتقواه؛ لأنه المنعم الهادي، وفي الثاني:

  أمرهم بطاعته؛ لأنه يهديهم ولا يسألهم أجرًا.

  وقيل: فاتقوا اللَّه وأطيعون لأني رسول أمين، واتقوا اللَّه وأطيعون؛ لأني لا أسألكم عليه أجرًا، فتخافوا ثَلْمَ أموالكم.

  «قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ» استفهام والمراد الإنكار؛ أي: لا نؤمن لك «وَاتَّبَعَكَ الأرذَلُونَ» قيل: كانوا أصحاب الحِرَفِ الخسيسة كالحياكة ونحوها، عن ابن عباس، وأبي علي. وقيل: السفلة، عن مقاتل، وقتادة، والكلبي. وقيل: الغَاغَةُ، عن ابن عباس. وقيل: الحاكة والأساكفة، عن عكرمة. وقيل: نسبوهم إلى الفواحش كالقمار وغيره. وقيل: نسبوهم إلى النفاق والمعاصي وما لا يجوز في الدين، قال أبو مسلم: جواب نوح يدل على أنهم نسبوا من اتبعه إلى ما لا يجوز في الدين «قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» يعني: لي الظاهر من أمرهم، وليس عليّ من بواطن أمرهم شيء، وقيل: ليس عليّ حسابهم وإنما حسابهم على اللَّه «إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ» تعلمون «وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ» أي: لا أُبْعِدُهم من مجلسي؛ لأن حرفهم لا تضر في الدين، أو باطنهم لا يوجب ذلك، والدين يمنع من طردهم، وقيل: أرادوا منه طرد المؤمنين استنكافاً منهم «إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» مُخَوِّفٌ معلم بمواضع الخوف «مُبِينٌ» مبيّن للحق والأحكام «قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ» أي: لئن لم تكف عن عادتك في الدعاء إلى دينك وعما تقول «لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ» قيل: من المشتومين، عن الضحاك.

  وقيل: من المرميين بالحجارة، عن قتادة. وقيل: من المقتولين، عن ابن عباس، ومقاتل. «قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا»، أي: احكم بيني وبينهم، فأنزل العذاب عليهم في الدنيا؛ لأنهم كذبوني، وذكر (كَذَّبُونِ) للتعليل لا للإخبار؛ لأنه تعالى عالم بذلك «وَنَجِّنِي» خلصني «وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنجَينَاهُ وَمَنْ مَعَهُ