التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون 172}

صفحة 710 - الجزء 1

  · اللغة: الشكر: إظهار النعمة مع القيام بحقها، قال أبو علي: وهو على وجهين:

  اعتراف بالنعمة في القلب وترك الكفر به بالقلب والجوارح وذلك واجب على كل أحد.

  الثاني: ما يفعله من تعظيم المنعم ومدحه لمكان نعمته، فالأول واجب بكل حال، والثاني يلزم في الحالة التي يحتاج إلى القيام بالحق، فأما باللسان فقد يجب عند التهمة، وضد الشكر: الكفر.

  والعبادة: خضوع وتذلل ليس لها نهاية، ولا يستحقها إلا اللَّه تعالى.

  · المعنى: ثم خاطب تعالى المؤمنين وذكَّرهم نعمه عليهم، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: صدقوا، عن الضحاك، وقيل: صاروا مؤمنين بفعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه «كُلُوا» قيل: إنه إباحة وإن كان صيغته الأمر؛ لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد، عن القاضي، وقيل: إنه أمر من وجهين: أحدهما أن يأكل الحلال، والثاني أن يأكلوا وقت الحاجة دفعًا للضرر عن النفس، قال القاضي: وهذا مما يعرض في بعض الأوقات، والآية غير مقصورة عليه، فيحمل على الإباحة «مِنْ طَيّبَاتِ» قيل: مما يستلذ ويشتهى مما رزقناكم، وقيل: من حلال ما رزقناكم، قال: ومعناه مما حَكَمَ أنه رزقكم دون ما هو لغيركم ولم يرد إثبات رزق ليس بطيب، ونظيره قوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} لا يدل على أن شيئًا ليس من رزق اللَّه، عن أبي القاسم، والأول أوجه، قال القاضي: لأن الرزق لا يكون إلا حلالاً فوجب حمل الطيبات على ما هو أخص، ولكيلا يؤدي إلى التكرار «رَزَقْنَاكُمْ» أعطيناكم «وَاشْكُرُوا» أمر بالشكر، وذلك يكون بالقلب واللسان، فأما أفعال الجوارح فقيل: إنه مِنْ شكر النعمة كالعبادات، عن أبي مسلم، وقيل: إنه سمي شكرًا على وجه التشبيه من حيث إنه يجب لمكان النعمة العظيمة فًعُدَّ من الشكر في عرف الشرع، لا من حيث اللغة «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» يعني إن كنتم عارفين به وبنعمه؛ لأن المتمسك بعبادته وحده هو