التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون 45 قال ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون 46 قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون 47 وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون 48 قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون 49 ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون 50 فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين 51 فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون 52 وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون 53}

صفحة 5437 - الجزء 8

  والخاوي: الخالي الفارغ، والخواء: المكان الخالي، مكان خَاوِيَة: لا أنيس بها، خوت الدار تَخْوَى خَوَايَةً وخَوًى وخُوِيًّا، وخوى الرجل فهو خواء وأخوا جوفه، وخويت المرأة: جاعت.

  · الإعراب: في {تَقَاسَمُوا} وجهان:

  أحدهما: الجزم على الأمر.

  والثاني: النصب على تقدير: مقاسمين، أو قد تقاسموا، فحذف.

  {خَاوِيَةً} نصب على الحال، عن الفراء، والكسائي، وأبي عبيد. وقيل: على القطع، تقديره: فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع عنها الألف واللام نصب، كقوله: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا}⁣[النحل: ٥٢].

  وقال: {فَرِيقَانِ} ثم قال: {يَخْتَصِمُونَ} بلفظ الجمع؛ لأنهم جمع، ولأن كل إنسان واحد من الفريقين يخاصم مثله من الفريق الآخر.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى قصة صالح عطفًا على قصة سليمان، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا» هذه نون الكبرياء لا نون الجمع «إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ» في النسب «صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ» وحده ولا تشركوا به شيئًا «فَإِذَا هُمْ» يعني: ثمود «فَرِيقَانِ»: فريق مؤمن بصالح، وفريق كافر كاذب به «يَخْتَصِمُونَ» أي: يتنازعون في الدين، قيل: اختصامهم ما حكى اللَّه عنهم في سورة (الأعراف)، عن مقاتل، وأبي مسلم. يعني قوله: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} إلى أن قالوا: {يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب، ف «قَال» لهم صالح «يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ» قيل: بالعذاب قبل الرحمة، عن مجاهد. يعني: لِمَ تطلبون العذاب والبلاء قبل الحسنة والرحمة، تعدلون عن أسباب الرحمة من الإيمان والطاعة إلى أسباب العقوبة من المعاصي، وقيل: لِمَ تستعجلون بالكفر قبل الإيمان، والتكذيب قبل التصديق «لَوْلاَ تَسْتغفِرُونَ اللَّهَ» أي: هَلَّا تستغفرون اللَّه، يعني تطلبون مغفرته بالتوبة «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» قيل: متعرضين للرحمة، وقيل: لكي ترحموا «قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ» أي: تشاءمنا بك «وَبِمَنْ