التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين 36 وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون 37 وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين 38 واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون 39 فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين 40 وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون 41 وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين 42}

صفحة 5500 - الجزء 8

  أولها: أنه إله مع كونه بشرًا مع أنه جسم مركب يأكل ويشرب ويمشي ويأتي الخلاء.

  وثانيها: أن إله موسى مثله في الصورة.

  وثالثها: أوهم ببناء الصرح أنه يصل إلى إله موسى.

  ورابعها: أنه يصعد السماء، وينظر إلى إله موسى هل أرسل موسى أم لا؟ وكل ذلك مبني على أنه تعالى في السماء وأنه جسم، ولم يكن في القوم من يقول: إنه ليس بجسم، ولا يجوز عليه المكان.

  «وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ» قيل: أقر على نفسه بالشك، وقيل: إنما شك لما رأى المعجزات، وقيل: كان جاهلاً بالصانع، ولم يعرف صحة نبوة موسى، وقيل: بل عرف وعاند؛ ولذلك قال تعالى: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}⁣[النمل: ١٤]، «وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ» أي: تعظموا وأنفوا عن قبول الحق واتباع موسى، قيل: رأى عليه ثيابًا رثة فأنفوا من اتباعه. «فِي الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَينَا لاَ يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ» في البحر فأغرقناهم فيه، قيل: نيل مصر، وقيل: بحر من وراء مصر «فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» أي: قادة ورؤساء «يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» قيل: إنه يأمر الملائكة بأن يقدموهم إلى النار وقومه يتبعونه، فيصير في حكم القادة لهم لما تقدمهم ويتبعوه، وهكذا كل مُتَّبَعٍ له تَبَعٌ، ويكون رأسًا في الضلالة، فعلى هذا يكون ذلك في القيامة، وقيل: هو في الدنيا، ومعنى (جعلناهم) حكمنا بأنهم رؤساء الضلالة؛ لأنهم يدعون إلى النار، ومعنى «يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» أي: إلى الأفعال التي بها تستحق النار من معاصي الله تعالى والكفر به؛ لأن من دعا غيره إلى نفس النار لا يجيبه، ويُقال: فلان كَفَّرَ فلانًا وفسَّقه، وجهَّله إذا حكم بذلك عليه وجعله شاهد زور، وأمثاله بكثرة.

  ومتى قيل: كيف حكم به؟

  قلنا: سماهم بذلك وبين للناس أنهم أئمة الكفر، وجعل ذلك صفة لهم. وقيل: معنى جَعَلْنَا أن كل من مهد طريقًا في الفساد والبدعة حتى صار متبوعًا في الضلالة فإنه