التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم 174}

صفحة 718 - الجزء 1

  يَأْكلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ». وقيل: إن أكلهم في الدنيا وإن كان طيبًا في الحال فعاقبته النار، فوصف بذلك كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} عن الحسن والربيع وأبي علي وجماعة من أهل العلم.

  وقيل: هم في الآخرة يأكلون النار لأكلهم في الدنيا الحرام، عن الأصم. وإنما ذكر البطن، وإن كان الآكلون لا يأكلون إلا في البطون لوجهين: قيل: ليعلم أن النار تكون في بطونهم، وقيل: تأكيدًا «وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه» قيل: لا يكلمهم بما يحبون ويسرهم، وإن كان يكلمهم بالسؤال والتوبيخ وبما يغمهم، عن الحسن وأبي علي. وقيل: لا يكلمهم أصلاً، وهو كناية عن غضبه عليهم، ثم السؤال يقع من الملائكة بأمره تعالى «وَلاَ يُزَكِّيهِمْ» قيل: لا ينسبهم إلى التزكية، ولا يثني عليهم، وقيل: لا يقبل عنهم أعمالهم كما تقبل أعمال الأزكياء. وقيل: إنه يرجع إلى ما تقدم، يعني لا يكلمهم بما يزكيهم من الوصف الجميل والثناء الحسن «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم» أي موجع مؤلم.

  · الأحكام: الآية تدل على تحريم كتمان كل علم في باب الدين، ووجوب إظهاره في وقت الحاجة، واختلفوا في كتمانهم فقيل: حرفوا التأويل دون التنزيل كما تفعله المشبهة والْمُجْبِرَة في القرآن؛ لأن تحريف التنزيل من التوراة يَبْعُدُ، عن أبي علي. وقيل: كتموا التنزيل، وكانوا عددًا يجوز عليهم التواطؤ، ولم تكن التوراة في الفضل والإعجاز كالقرآن. وقيل: كانوا يفتون بأهوائهم فذمهم على ذلك.

  وتدل على أن كاتم العلم يستحق العقاب، ويدخل فيه أصول الدين وفروعه، والفتيا، والقضايا والشهادات، والتحديث وغيرها.

  وتدل على أن أحكام الشرع لا يجوز الكلام فيها إلا بعد قيام الدليل.