التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين 67 وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون 68 وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون 69 وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون 70}

صفحة 5523 - الجزء 8

  · المعنى: لما تقدم الوعيد عقبه بذكر التوبة قطعًا للإياس، فقال سبحانه: «فَأَمَّا مَنْ تَابَ». والتوبة: أن يندم على ما سلف، ويعزم على ألَّا يعود إلى أمثاله من فعل قبيح أو ترك واجب، ويتلافى ما يمكن تلافيه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد «وَآمَنَ» قيل: آمن مع التوبة فيقلع من الكفر، وقيل: يثبت على إيمانه «وَعَمِلَ صَالِحًا» وهو ما كلف فعله وتركه، فيؤديه كما أمر «فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ» أي: يكون من المفلحين، عن أبي علي. يعني: لا بد أن ينال الفلاح وهو الظفر بالبغية، وقيل: إنما ذكر (عسى)؛ لأن استحقاق الثواب بالدوام على التوبة، وقيل: لأن التائب في حكم الراجي.

  ثم قطع طمع الكفار في التحكم في الآيات، فقال سبحانه: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ»؛ لأنه القادر على جميع ذلك، «وَيَخْتَارُ» ما هو الأصلح لهم؛ لأنه أعلم بعواقب الأمور، وقيل: «يختار ما يشاء» ليس لهم تخير الأمور على الله، وقيل: يختار للنبوة من يصلح لها ليس لهم أن يختاروا؟ بل يجب أن يتبعوا أمر الله؛ لأنهم لا يعلمون من هو أهل للنبوة ومن فيه المصلحة «سُبْحَانَ اللَّهِ» أي: تنزيهًا له عن شريك في خلقه [و] في اختياره «وَتَعَالَى» جل أن يلحقه في أفعاله سهو، وفي اختياره - خطأ أو قبيح «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ» لما بيّن كونه قادرًا عقبه ببيان كونه عالمًا؛ لأن اختيار الأحسن بهما يتم، فقال سبحانه: «يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ» قيل: معناه: يعلم الضمائر والسرائر وما يظهر، فيختار للنبوة من يصلح لها، وقيل: هو العالم بالأشياء فيفعل الأصلح، ولا يفعل القبيح «وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى» أي: الدنيا «وَالآخِرَةِ» أي: هو يستحق الحمد في الدارين؛ لأن نعم الدارين منه، لذلك استحق حمد الدارين.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه يحكم بين عباده، فيجازي كل أحد بفعله.