قوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون 46 وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون 47 وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون 48 بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون 49 وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين 50 أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون 51}
  معجزة لك وبيانًا للشرائع يزيد على معجزات الأنبياء، فإذا لم يكفهم هذا لم يكفهم غيره من الآيات «يُتْلَى عَلَيهِمْ» يقرأ «إِنَّ فِي ذَلِكَ» في القرآن «لَرَحْمَةً» أي: نعمة عظيمة؛ لأن من اتبعه وعمل به نال الثواب والجنة «وَذِكْرَى» يذكرهم أمر دينهم وأخبار من مضى ومواعظ، ويذكرهم الجزاء والمعاد «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» خصهم؛ لأنهم انتفعوا به، وإلا فهو رحمة وذكرى للجميع.
  · الأحكام: يدل أول الآيات أن في الجدال ما يحسن، وفيه ما يقبح.
  وتدل على وجوب النظر والمعرفة؛ لأنهما ثمرة المجادلة.
  وتدل على أن الواجب الدعاء إلى الله تعالي بأحسن الوجوه وألطفها.
  وتدل أن حال المحارب خلاف أهل الذمة، لذلك استثنى {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} فسلكوا طريقة اليأس من الانقطاع بمجادلتهم.
  ويدل قوله: {وَقُولُوا آمَنَّا} أن الجدال المأمور به كان في باب الإيمان والتوحيد والنبوات.
  ويدل قوله: {وَمَا يَجْحَدُ} أن جحود القرآن وما فيه كفر، والجحد قد يكون باللسان فيدل على أن الكفر قد يكون في أفعال الجوارح، بخلاف من يقول: إنه من أفعال القلوب، ويكون الجحد بالقلب، والجحد هو إنكاره ودفعه، فأما إذا قَبِلَ ولم يعمل فهو فِسْقٌ، وليس بكفر.
  ويدل قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} الآيات، على أنه جَنَّبَ رسوله كل ما ينفي عنه، وأنه إنما نزهه من القراءة والخط؛ لئلا يرتاب أحد، وينفر، وإنما يجب تنزيهه من المنفرات؛ لأنه بُعث داعيًا وشارعًا ومُبَيِّنًا، فوجب أن يكون على صفة يكون الناس إلى القبول منه أقرب، وإذا وجب تنزيهه عن هذا القدر لأنه ينفر فلأن يُنَزَّهَ عن الكبائر والفسق أولى؛ لأنه أعظم في باب التنفير.