التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون 8 أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 9 ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون 10}

صفحة 5602 - الجزء 8

  أساء. يُسِيءُ إساءة فهو مُسِيءٌ، وأصل الباب من «ساءه يسوءه»: إذا حرفه، ومنه:

  الإساءة، والسُّوءَى.

  · الإعراب: {فَيَنْظُرُوا} نصب؛ لأنه جواب قوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا}.

  {أَشَدَّ} نصب؛ لأنه خبر (كان)، واسمه في قوله: «كانوا».

  {قُوَّةً} نصب على التمييز.

  {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} استفهام، والمراد به التقريع، أي: هلا تفكروا إذ كان لهم عقل وتمييز.

  · المعنى: ثم حث على التفكر في أحوال الأمم وما أوتوا من الدنيا، وما آل إليه أمرهم، فقال سبحانه: «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا» أي: هلا تدبروا «فِي أَنفُسِهِمْ» بما فيه من آيات الله الدالة على توحيده، وقيل: «في» بمعنى [(مع)]؛ أي: مع أنفسهم بأن يرجع إلى نفسه، ويتفكر في أحواله، وتنقله من حال إلى حال ليعلم أن له مدبرًا صانعًا «مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَمَا بَينَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ»؛ لأنه إذا تفكر في نفسه وفي العالم علم أن له صانعًا حكيمًا لا بد في فعله من غرض، وأنه لا يجوز أن يفعل القبيح؛ لعلمه بقبحه وغناه عنه؛ فيعلم أنه خلق الأشياء بالحق. وقيل: خلق للحق، أي: خَلْقٌ يُعَدُّ دلالة على صانعه، وللتعريض للثواب وفعل الطاعات «وَأَجَلٍ مُسَمًّى» أي: لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنِيَتْ، وهو وقت القيامة، وقيل: خَلَقَها في أوقات قدرَها وسماها اقتضت المصلحة خَلْقَها فيها، ولم يخلقها عبثًا، عن أبي علي.

  ومتى قيل: كيف يعلم بالتفكر في النفس أنه لم يخلق شيئًا إلا بالحق؟ وكيف يعلم الآخرة؟