التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 27 ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون 28 بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين 29 فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30}

صفحة 5619 - الجزء 8

  تاركًا للباطل «فِطْرَتَ اللَّهِ» قيل: دين الله وهو الإسلام، عن مجاهد، وأبي علي. «الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا» قيل: لها ولأجلها خلق الخلق، وقيل: فيه إضمار أي: اتبع فطرة الله التي خلق الناس لأجلها، وقيل: «فِطْرَتَ اللَّهِ» أي: اتبع مِنَ الدين ما ذلك عليه فطرة الله، وهو ابتداء خلقه للأشياء؛ لأنه خلقهم وركبهم وصورهم على وجه دل أن لها صانعًا قادرا عالمًا حيًا سميعًا بصيرًا واحدًا لا يشبه شيئًا، عدلاً لا يظلم ولا يجوز، عن أبي مسلم. «لاَ تَبْدِيلَ لِخلقِ اللَّهِ» قيل: لدين الله، عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وإبراهيم، وابن زيد. ومعناه: لا ينبغي أن يبدل دينهم، فهو نهي. قيل: هو الخصاء، عن ابن عباس، وعكرمة. وقيل: معناه: لا تبديل لخلق الله الناس للدين القيم وهو الإسلام الذي فطر الناس له، عن أبي علي. وقيل: لا تبديل فيما دل عليه، يعني: أنه فطر على وجه يدل على صانع مدبر حكيم، لا يمكن أن يجعل خلقًا لغير الله حتى يبطل وجه الاستدلال، عن أبي مسلم. يعني: ما دلت عليه الفطرة لا يمكن فيه التبديل «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» أنه خلقهم لعبادته، وقيل: لا يعلمون أن الدين القيم الإسلام.

  · الأحكام: يدل قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} على الفناء والإعادة على ما نقوله.

  ويدل قوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا} على صحة الحجاج في الدين، وعلى صحة القياس.

  ويدل قوله: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ} أن الظلم واتباع الهوى فعلُهم، ليس بخلق الله تعالى، فيبطل قولهم في المخلوق.

  ويدل على قبح اتباع الهوى، وأن الواجب اتباع الأدلة.

  ومتى قيل: كيف يتبع الهوى؟

  قلنا: يتبع هوى نفسه لرئاسة يحوزها أو مال أو جاه، وقد يتبع هوى غيره تقليدًا كالعوام.