التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون 36 أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 37 فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون 38 وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون 39 الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون 40}

صفحة 5625 - الجزء 8

  لأن التبرعات لا يقال: إنها حق على المعطي «وَالْمِسْكِينَ» هو الفقير الذي لا شيء له، عن أبي حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل اللغة. وقيل: هو الفقير له بُلْغَةٌ، عن الشافعي. «وَابْنَ السَّبيلِ» هو المسافر المنقطع عن ماله، سمي ابن السبيل لقطعه السبيل، وقيل: أراد أَضياف الغرباء، والأول الوجه؛ لأن الضيافة ليست بحق. «ذَلِكَ خَيرٌ» يعني: فعل ما أمر به خير «لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ» أي ابتغاء مرضاته وثوابه «وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الفائزون بالبقاء الدائم والثواب المقيم. «وَمَا آتَيتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ» في الربا المذكور في الآية قولان:

  أحدهما: أنه رِبًا حلال، وهو قول جماعة من المفسرين.

  والثاني: أنه أراد الربا المحظور، وهو قول جماعة.

  فمن ذهب إلى القول الأول اختلفوا، فقيل: هو الرجل يُعْطِي العطية ليُعْطَى أكثر منها، فهذا ربا حلال، ليس فيه وزر، ولا أجر أيضًا؛ لأنه لم يرد به وجه الله، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، وقتادة، والضحاك. وقيل: هو الرجل يجعل للرجل شيئًا من ربح ماله ليخدمه ويسافر معه، وإنما يعطيه التماس عونه، ولم يرد وجه الله، عن الشعبي. وقيل: المعنى فيه التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة.

  وفي إعطاء الزكاة وإعطاء المال على وجوه:

  منها: ما يستحق عليها الأجر.

  ومنها: ما لا يستحق عليه الأجر.

  فالأول: كالصدقة، والصلة، ورد الوديعة، والبر، والنذور، والقروض.

  والثاني: كالهبات لا لله، وقضاء الديون ونحو ذلك.

  فأما من ذهب إلى القول الثاني وحمل الربا على الربا المحظور فهو قول الحسن وأبي علي، وهو الْأَوجَهُ؛ لأن الربا في عُرْفِ الشرع هو المحظور. ثم اختلفوا، فقيل: تُرْبُون ليزيد مالكم، والله تعالى لا يبارك فيه؛ بل يمحقه ويستحق عليه العقاب. وقيل: