التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون 36 أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 37 فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون 38 وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون 39 الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون 40}

صفحة 5627 - الجزء 8

  · الأحكام: يدل أول الآيات على قبح ما كانوا عليه من البطر عند النعمة والقنوط عند الشدة، وتحذيرًا من سلوك طريقتهم، وأن الواجب عند النعمة الشكر وعند الشدة الصبر، وذلك إشارة إلى وجوب القول بالتوحيد والعدل؛ لأن مَنْ عَرَفَ أنه تعالى حكيم لا يفعل إلا ما هو صلاح وخير، وأنه يدبرهم بحسب مصالحهم، وأنه يشكر عند النعمة، ويصبر عند الشدة لِمَا علم أن جميع ذلك مصلحة، فأما عند الْمُجْبِرَة إذا جوزوا على الله تعالى فعل القبائح، فعند النعمة لا يأمن أن يكون استدراجًا إلى الكفر والنار، وعند المحنة لا لمصلحة وعوض، فلا عند النعمة يجب الشكر، ولا عند الشدة يجب الصبر، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ} يدل على ذلك؛ لأنه يبسط ويضيق بحسب المصلحة، فيجب الشكر والصبر.

  وتدل على أن القنوط يقبح؛ لأن مع سعة رحمة الله كيف يصح القنوط؟ ومع فتح باب التوبة، ولأنه إذا قال: كَلَّفَهُ، ولا طريق له إلى النجاة فقد أضاف القبيح إلى الله سبحانه.

  ويدل قوله: «فَآتِ» أن في المال حقًّا واجبًا، والأقرب أنه الزكوات والعشور؛ لأن الحق إذا أطلق فإنما يفهم الحقوق الواجبة.

  وتدل على أن إعطاء الزكوات إنما يكون طاعة إذا أريد به وجه الله.

  وتدل على أنه يضاعف عليه الثواب.

  وتدل أن الربا وإن زاد في المال ظاهرًا ففي الحقيقة غير زائد؛ وذلك للوجهين اللذين ذكرناهما، والزكاة وإن نقصت ففي الحقيقة زيادة.

  ويدل آخر الآيات أنه تعالى المنعم بأصول النعم التي بها يستحق العبادة من الخلق والحياة والشهوة والتكليف والإعادة، وإنما ذكر الحياة في الدارين؛ لأن النعم لا تتم إلا بها.

  وتدل على أن الشرك والربا فعلُ العبد؛ لذلك استحق العقوبة عليها.