قوله تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون 56 فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون 57 ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون 58 كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون 59 فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون 60}
  «وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ» يا محمد «بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إلَّا مُبْطِلُونَ» يعني: عادتهم الإصرار، ولو جئتهم بما سألوا من الآيات لنسبوه إلى البطلان، ولم يؤمنوا.
  ومتى قيل: لم لا يكون في عدم الآية المطلوبة حجة كما في الرسول؟
  قلنا: [لأن] الحجة قائمة وغيرها من [الحجج] يقوم مقامها بخلاف الرسول؛ لأن الآيات بعد بيان المعجزات لطف، فإنما يفعل بحسب المصلحة والعلوم.
  «كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوب الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» قيل: الطبع سمة يجعلها الله تعالى على قلوب الكافرين، عن أبي علي. وقيل: استمرارهم على كفرهم طَبْعٌ، يعني: حكم بذلك عليهم، عن أبي مسلم. «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» قيل: في نصرك وإظهار دينك. وقيل: وعده في إنزال العذاب بهم حق، قيل: أراد عذاب الدنيا من القتل والأسر، وقيل: عذاب الآخرة، وفيه تثبيت لقلبه ÷ ليستمر على دعاء القوم «وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ» أي: لا يحملنك هَؤُلَاءِ على الخفة والعجلة لشدة الغضب عليهم لكفرهم مع كثرة الآيات، فتفعل، خلاف ما أمرت من الصبر والرفق، عن أبي علي. وقيل: لا يستخف هَؤُلَاءِ إياك بألا تتحمل المشقة، وقيل: لا يجدونك خفيفًا في أمرك، وقيل: لا يستخفنك هَؤُلَاءِ لِتَرْكَنَ إليهم، عن أبي مسلم. ونظيره: {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} الآية [الإسراء: ٧٣]. وقيل: لا تفعل فعلاً يُخِفُّ وزنك «الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ» بكون ما أخبر اللَّه به، فهم ضُلَّالٌ شاكُّون.
  · الأحكام: يدل أول الآيات على عظيم منزلة العلماء.
  وتدل على مدح من يوقن بالبعث، وذم من لم يعلمه.
  وتدل أن يوم القيامة لا ينفع الظالمَ عذرٌ، وأنه يُعذَّبُ، فيبطل قول المرجئة.
  ويدل قوله: {وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} على أن المعارف مكتسبة.
  وتدل على وجوب الصبر في الدين، وإن ناله الأذى.
  وتدل على أن فعل العباد من الظلم فعلُهم؛ لذلك استحقوا العقاب، فيبطل قول الْمُجْبِرَة.