التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد 12 وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم 13 ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير 14 وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون 15}

صفحة 5651 - الجزء 8

  المكلفون فيها. وقيل: الحكمة: النبوة. «أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» على نعمه «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ» أي: بفعله لأنه يستحق مزيد النعمة والثواب، وقيل: لأن الزيادة الحاصلة بالشكر تكون له «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ» عن شكر الشاكرين وعن كل شيء، لا تجوز عليه الحاجة «حَمِيدٌ» أي: محمود يجب الحمد له، فمن أثابه فبفضله ومن عاقبه فبعدله «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» معناه: لا تشرك مع الله في عبادته غيره ولا تصفه بالشريك، وقيل: معناه: لا تشرك، ثم أقسم بأن الشرك لظلم عظيم، وقيل: أصل الظلم: النقصان ومنع الواجب، فمن كفر فقد منع ما وجب له عليه من معرفة التوحيد والعدل فكان ظالمًا، وقيل: ظلم نفسه بأن أوْبَقَهَا. «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ» لما تقدم الأمر بشكر النعمة نبَّه على وجوب الشكر لكل منعم، فبدأ بالوالدين، ومعنى «وَصَّينَا» أي: أمرنا بطاعة الوالدين وشكرهما، وإنما قرن شكرهما بشكره؛ لأنه الخالق المنشئ، وهو المسبب والمربي.

  ثم بيّن زيادة نعمة الأم، فقال سبحانه: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ» أي: ضعفًا على ضعف، عن الضحاك. وقيل: شدة بعد شدة، عن ابن عباس. وقيل: جهدًا على جهد، عن قتادة. وقيل: مشقة على مشقة، عن مجاهد. وقيل: ضعف الولد وضعف الأم. وقيل: بل نطفة الأب ونطفة الأم، وهما ضعيفان، عن أبي مسلم.

  «وَفِصَالُهُ فِي عَامَينِ» أي: فطامه بانقضاء عامين «أَنِ اشْكُرْ لِي» على نعمي «وَلِوَالِدَيْكَ» على نعمهما، فنعمته أن خلقه وصوره وأحياه وركبه ورزقه، وأمه حملته ووضعته وأرضعته.

  ثم أكد وجوب شكره لكثرة نعمه، فقال سبحانه: «إِلَيَّ الْمَصِيرُ» أي: إلي حكمي المرجع فنجازيك، وفيه ترغيب وترهيب، وعن سفيان بن عيينة: من صلى الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين عقيب الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين.

  ثم استثنى من طاعتهما ما يخالف طاعة اللَّه، فقال سبحانه: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ» يعني: أمراك وأجهداك، فيحملانك على الكفر «عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» إشارة إلى بطلانه؛ لأن ما يكون حقًّا يعلم صحته بالدليل، أراد: إن دعواك إلى باطل «فَلَا