التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد 26 ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم 27 ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير 28 ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير 29 ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير 30}

صفحة 5663 - الجزء 8

  وقيل: سألوا رسول الله ÷ عن الروح، فنزلت {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}⁣[الإسراء: ٨٥] فقالوا: أوتينا التوراة على كثرتها، فنزلت هذه الآية.

  وقيل: نزلت الآية بالمدينة، عن عطاء. وقيل: بل بمكة، واليهود أمروا مشركي قريش أن يسألوا رسول الله عن ذلك.

  · المعنى: ثم أكد تعالى ما تقدم من خلقه السماوات والأرض، فقال سبحانه: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» ملكًا وخلقًا «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ» عن كل شيء «الْحَمِيدُ» المستحق الحمد لأجل نعمه على عباده «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ» يعني: لو صار جميع أشجار العالم أقلامًا «وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ» مدادًا «مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ» تقديره: والبحر مدادٌ يمد هذه الأقلام سبعة أبحر، وقيل: لو كان جميع بحور الدنيا مدادًا، وخلق سبعة أبحر أخر وكتب به «كلِمَاتُ اللَّهِ» قيل: كلامه، وقيل: أراد أسماء ما يقدر عليه ويعلمه، وقيل: خلق الله، أي: لو كتبوا ما خلق الله من الجواهر والأعراض لنفدت البحار، وما نفد خلقه، فمثله يجب أن يُعْبَدَ، عن أبي مسلم. وقيل: مقدوراته من الكلام فإنه لا يتناهى في كل وقت، وقيل: معلوماته ومقدوراته التي تستفاد بالكلمات، عن الحسن. وقيل: أراد بالكلمات الحكمة؛ لأنها نزلت في شأن اليهود حين قالوا: أوتينا الحكمة لما أوتينا التوراة، وقيل: ما نفدت فوائد كتاب الله «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» أي: قادر على جميع ذلك يفعل من ذلك ما يليق بحكمته «مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» يعني: الكثير والقليل والابتداء والإعادة في مقدوره سواء، لا يصعب عليه شيء من ذلك، قال أبو مسلم: أراد أن جميع هذا الخلق مع كثرته ينفد البحر ولا ينفد هو في قدرته كنفس واحد في قدرته وخلقه «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لأقوالهم «بَصِيرٌ» بضمائرهم. وقيل: عليم بأفعالهم يجازيهم بها «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ» يعني ينقص من أحدهما ويزيد في الآخر، عن قتادة. وقيل: يدخل الليل في النهار حتى لا يبقى نهار، ويدخل النهار في الليل حتى لا يبقى ليل،