قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا 6 وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 7 ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما 8 ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا 9 إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا 10}
  معه في حصنه، واجتمعوا على رسول الله ÷، وخندق على المدينة، وخرج في ثلاثة آلاف، ونزل القوم وبين الفريقين الخندق، واشتد الخوف، وظنوا الظنونا، ونجم النفاق، وقالوا: إن محمدًا وعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ما كان وعده إلا غرورًا، فأقاموا بضعًا وعشرين ليلة، ولم تكن حرب إلا الرمي بالنُّشَّابِ والحجارة، فلما اشتد على الناس هَمَّ رسول الله ÷ بالمصالحة، فنهاه عن ذلك سعد بن عبادة على ما قدمنا، وخرج عمرو بن عبد وُدّ وطلب البراز، فقتله علي، ورمي سعد بن معاذ بسهم قطع منه الأكحل، وبقي حتى تم حديث قريظة ثم مات، وجاء نُعيم بن مسعود إلى رسول الله ÷ وقد أسلم سرًا لا يعلم بذلك قومه، وقال: مرني بأمرك، فقال: «إنما أنت رجل واحد فادفع عنا إن استطعت، فإنما الحرب خدعة»، فذهب وأوقع خلاقًا بين القوم، قال لليهود: إن أبا سفيان على عزم الرجوع ويخلي بينكم وبين محمد، وأنتم لا تطيقونه، فإذا سألوكم المحاربة فخذوا منهم رهينة، وجاء إلى أبي سفيان وقال: إن اليهود نادمون وبعثوا إلى محمد يسألونه العهد، ووعدوه أن يسألوا منك رهينة، ويدفعوه إليه، واختلفت آراء الفريقين، فلما كان ليلة السبت من شوال عشية خمس بعث أبو سفيان إلى اليهود ليناجز المسلمين فأبوا، وقالوا: غدًا يوم السبت لا نحارب وبعد ذلك إلا برهينة من أشرافكم، فأبى أبو سفيان ذلك، واختلفت كلمتهم، وبعث الله ريحًا باردة فانصرفوا راجعين.
  وعن حذيفة: أرسلني إليه لآتيه بالخبر، وقال: «اللهم احفظه»، فدخلت غمار القوم، وإذا الريح تلقي آنيتهم وأبو سفيان يصطلي، ويقول: يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد صاحبه فلينظر مَن هو، فأخذت بيد جليسي وقلت: من أنت؟ فقال:
  أنا فلان، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، ما أصبحتم بدار مقام، بعد الزاد وهلك الكراع، وخالفت اليهود، ونصيبنا من هذا الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل، وقام إلى جَمَلِهِ وأطلق عقاله، وسمعت غطفان فشمروا راجعين، وهزم الله الأحزاب، ورجعت إلى رسول الله ÷، فضحك حتى بدت نواجذه في سواد الليل، ورجع إلى المدينة، وأنزل الله في ذلك آيات من سورة (الأحزاب).