قوله تعالى: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون 62 هذه جهنم التي كنتم توعدون 63 اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون 64 اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون 65}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى وجه عداوة الشيطان، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ» أي: دعا إلى الضلال. وقيل: حمل على الضلال لعداوته، أي: مع ما قدمت إليكم من العهود والتحذير أضل منكم جماعة «جِبِلًّا كَثِيرًا» قيل: خلقًا كثيرًا وجماعة عدة «أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ» أي: هلا استعملتم عقولكم بأن تركتم اتباعه مع عداوته ودعائه إلى الضلال؟ فهو استفهام، والمراد التقرير، يعني: أنتم عقلاء، فلِمَ تعقلون هكذا؟! وقيل: أمَا كنتم عقلاء إذ أتاكم عهدي، فتعرفوا صحة ذلك؟ عن أبي علي. وقيل: أفلم تتفكروا وتفعلوا ما أمرتم به من طاعة الله تعالى ومخالفة الشيطان؟ عن أبي مسلم. ثم يقال لهم: «هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» أي: ظهر لكم صحة ما وعدكم «اصْلَوْهَا» قيل: الزموا العذاب فيها، وقيل: اصلوا صلاها، أي: وقودها، عن أبي مسلم. وقيل: ادخلوا العذاب، عن أبي علي. والإصلال الأول «الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» أي: جزاء على كفركم «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ» قيل: نمنعهم من الكلام، فلا يتكلمون، قال قتادة: جرت بينهم خصومات وكلام، فكان هذا آخرها، وقيل: إنه يكون سمة وعلامة لهم، عن أبي علي. «وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ» بما عملوا «وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» أي: ستنطق الأعضاء التي كانت لا تنطق في الدنيا تشهد عليهم، ويختم على أفواههم التي عرف منها المنطق، وقيل: تقديره: نختم على أفواههم لتكلمنا أيديهم.
  · الأحكام: تدل الآية أن الإضلال ليس من الله تعالى، ولا قبول الضلال؛ لذلك نسبه إلى الشيطان؛ ولذلك وبخ الكل بذلك، ولو كان خَلْقَهُ لما صح توبيخهم.
  وتدل على أن الجوارح تشهد، وذلك يحتمل. وجهين: إما بخلق الكلام فيها، أو آلة الكلام ليتكلموا، وجوز أبو علي الوجهين، واختار القاضي الأول، قال: وإنما نسب إليها؛ لأنه ظهر منها، واختار علي بن عيسى الثاني، وروي عن النبي ÷: «أول من يتكلم من الآدمي فخذه وكفه».