التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين 99 رب هب لي من الصالحين 100 فبشرناه بغلام حليم 101 فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين 102 فلما أسلما وتله للجبين 103 وناديناه أن ياإبراهيم 104 قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين 105 إن هذا لهو البلاء المبين 106 وفديناه بذبح عظيم 107 وتركنا عليه في الآخرين 108 سلام على إبراهيم 109 كذلك نجزي المحسنين 110 إنه من عبادنا المؤمنين 111 وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين 112 وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين 113}

صفحة 5941 - الجزء 8

  أَسْلَمَا} علمه الله تعالى أنه بما فعل صَدَّقَ الرؤيا، وفدى ابنه من الذبح الذي رآه في النوم بذبح عظيم {أَنِّي أَذْبَحُكَ} إنما قال: «أَرَى» ولم يقل: رأيت؛ لأن الرؤية تكررت، فكأنه قيل: كثيرًا ما أرى، وروي أنه رأى ذلك ثلاث ليالٍ متتابعًا، عن مقاتل. وقيل: إنه علم بالوحي وحرت ما أوى في المنام، وقيل: كان رؤيا الأنبياء حقًا، عن أبي مسلم. وقيل: كان مَنْ نَذَرَ ذبْحَ ولد ما رأى في المنام أن ينفذ نذره، عن ابن عباس. «فَانظُرْ» يا بني «مَاذَا تَرَى» أي: تشير، وإنما ذكر ذلك؛ لأنه أحب أن يعلم عزيمته في أداء أمره تعالى «قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» من ذلك «سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا» انقادا وخضعا لأمر الله، سلم الأب نفس ابنه والابن نفسه، عن قتادة. «وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ» قيل: صرعه لجنبه، وقيل: أضجعه على إحدى خديه، وقيل: وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء، عن ابن عباس. وقيل: معنى «للجبين» أي: على الجبين وهو ما عن يمين الجبهة وشمالها، وللوجه جبينان والجبهة بينهما، وقيل: كان يومئذ ابن ثلاث عشرة، وقيل: الواو في قوله: «وَتَلَّهُ» زيادة للتفخيم، والمعنى: فلما أسلمه تله للجبين، وقيل: بل الواو في قوله: «وَنَادَيْنَاهُ» زيادة، وتقديره: فلما أسلما وتله للجبين ناديناه، وزيادة الواو شائع في اللغة «وَنَادَيْنَاهُ» يعني: نادينا إبْرَاهِيم «قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا» أي: فعلت ما أُمِرْتَ به، وقيل: ناداه على لسان ملك {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي: عادته جارية بأن يقابل المحسن بالإحسان، فنجى ابنه وأزال غمه «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ» الامتحان الشديد، وأراد: أن ذبح الولد تكليف شديد، وقيل: هذا نعمة عظيمة عليك «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» بشاة، وسماها عظيمة لعظم حرمته، ومعنى «فَدَيْنَاهُ» أبدلناه، وجعلنا الشاة فداه، وقيل: لأنه كان مقبولاً فلذلك كان عظيمًا، عن مجاهد. وقيل: لأنه رعى في الجنة أربعين خريفًا، عن سعيد بن جبير. وقيل: كان عظيمًا؛ لأنه كان من عند الله كونه ولم يكن من قبل. وقيل: لأنه فدى به عبدًا عظيمًا، وقيل: كان شاة ساقها إليه ملَك. واختلفوا في الذِّبح، قيل: كان كبشًا من الغنم، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وسعيد بن جبير. وقيل: وَعْلٌ هبط عليه من ثَبِير، عن الحسن. وقيل: هو