التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون 11 ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون 12}

صفحة 251 - الجزء 1

  · النزول: قيل: نزلت الآية في المنافقين، والآية متصلة بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا} عن أكثر أهل التفسير، وقيل: نزلت في اليهود، وقيل: إن أهل الصّفة لم يأتوا بعد، عن سلمان، والأول أصح؛ لأن عليه أكثر أهل العلم، ونظم الكلام يقتضي ذلك.

  · المعنى: ثم ذكر تعالى خصلة أخرى من خصال المنافقين، فقال: «وِإذَا قِيلَ لَهُمْ» قيل: للمنافقين، وقيل: لليهود «لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» قيل: بِمُمَالأَةِ الكفار؟ فإن فيه توهين الإسلام، وجرأة الكفار، عن أبي علي. وقيل: بالكفر والعمل بالمعصية وصد الناس عن الإيمان، عن ابن عباس. وقيل: بتبديل الملة، وتغيير السنة، وتحريف الكتاب، عن الضحاك. وقيل: لا تفسدوا باستدراج العامة إلى الباطل، وصدهم عن قبول الحق، ودعائهم إلى الكفر، عن الأصم. وقيل: بالتضريب بين ضعفة المسلمين، وقيل: بنصرة الكافرين. «قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ» على جهة الإظهار، والانطواء على خلافه، وقيل: يعني أن الذي تسمونه فسادًا هو عندنا صلاح، وقائل هذا هو عبد اللَّه بن أبي، كان يتعصب لليهود، فإذا غويت قال: أخشى الدوائر، فكان يوهم أن فعله صلاح، لما يخاف من العاقبة، «أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ» أي العاصون، سميت المعصية فسادًا لأنها توجب الهلاك، وقيل: لأنه يوجب إمساك المطر والنبات والرحمة، وفيه فساد الأرض، وقيل: هم المفسدون وإن أوهِمُوا أنهم مصلحون.

  ومتى قيل: لم قال: «هُمُ الْمُفْسِدُونَ» وقد يفسد غيرهم؟

  قلنا: لأنه عظم فسادهم، فلا يعتد بفساد غيرهم مع إفسادهم «وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ» لا يعلمون أنهم المفسدون، ولو علموا لَرُجِيَ صلاحهم، وقيل: لا يعلمون ما لهم فيه من العقاب، وقيل: هم جهال لا يعرفون حقًّا من باطل، عن الأصم، وقيل: لا