التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم 17 أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين 18 وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين 19 وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون 20 وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون 21 فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون 22 فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون 23 واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون 24}

صفحة 6351 - الجزء 9

  بالدعاء، ومعنى مجرمون: مصرون على كفرهم، وقيل: مجرمون إلي فينادوني بالمكروه، فأجيب وأوحى الله تعالى إليه: «فَأَسْرِ بِعِبَادِي» أي: بالمؤمنين إلى الموضع المأمور به من ناحية النهر على خفية من قوم فرعون، عن أبي علي، وقيل: أراد بعبادي بني إسرائيل ومن آمن معهم بموسى «لَيلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» يتبعكم فرعون وقومه «وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا» إذا قطعته أنت وأصحابك، قيل: ساكنًا كما كان، وكان ضَرَبَ بالعصا فانفلق لبني إسرائيل، فأمره أن يترك كما هو ليغرق فرعون وقومه، عن ابن عباس، ومجاهد، وأبي علي، وقيل: منفتحًا منكشفًا حتى يطمع فرعون في اتباعه، عن أبي مسلم، وقيل: طريقًا يابسًا، عن قتادة، وقيل: رهوًا واسعًا ما بين الطاقات، وقيل: دَمِثًا، وهو السهل الذي ليس برمل ولا حزن، عن الضحاك، وقيل:

  قوله: «رهوًا» يحتمل أن يكون من نعت البحر، ثم معناه ما ذكرنا مما قيل فيه، ويحتمل أن يكون من نعت موسى، أي: على هيئتك، عن أبي علي.

  ومتى قيل: ما الفائدة في قوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} واللَّه تعالى يسكنه ويحركه، وموسى لا يقدر على شيء من ذلك؟

  قلنا: هو إشارة إلى أَمْنِهِ، كما يقال لمن يخاف دخول دار: ادخل الدار آمنًا، واترك الباب مفتوحًا كما هو، أي: لا تخف.

  وقيل: لأن موسى كان إذا أظهر معجزة ضرب بالعصا، فإذا أراد عوده إلى حالته الأولى ضربه ضربة ثانية، فأمر الله تعالى ألا يضرب البحر، ويترك كما هو، وقيل: إن قومه سألوه ألا يترك البحر مفتوحًا؛ لئلا يدخله فرعون، فأمره تعالى أن يترك كما هو.