قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين 15 أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون 16 والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين 17 أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين 18 ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون 19 ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون 20}
  تذهب سفلاً، ودَرَجُ أهل الجنة تذهب علوًا، «وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ» أي: ليكمل جزاء أعمالهم من الثواب والعقاب «وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ» بمنع ثواب استحقوه، أو بعقاب لا يستحقونه «وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ» قيل: يدخلون النار، وقيل: تعرض عليهم النار؛ ليروا أهوالها، فتكون زيادة عقوبة «أَذْهَبْتُمْ» يُقال لهم توبيخًا وتهجينًا: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا» قيل: الطيبات القوة والشباب والاستمتاع بهما، تقول العرب: ذهب أَطْيَبَاهُ أي: شبابه وقوته، عن أبي مسلم، وقيل: الأرزاق أنفقوها في شهواتهم دون رضا الله، عن أبي علي، وقيل: الملاذُّ والملاهي، ونعيم الدنيا، أي: ذهبتم في المعاصي غافلين عن الآخرة، فأوردتم ههنا تبعاتها، وكان ينبغي أن تهتموا للأهم، وهو أمر الآخرة؛ لأنها باقية، دون الدنيا؛ لأنها فانية «وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا» أي: انتفعتم بها منهمكين فيها معرضين عن ذكر البعث وأمر الدين «فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ» قيل: الهوان، عن مجاهد. «بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ» أي: تترفعون عن الإيمان «وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ» تخرجون عن طاعة الله تعالى وولايته.
  · الأحكام: يدل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ} على أنه إنما يتقبل طاعة المطيع، ففيه ترغيب في الطاعة، وزجر عن المعصية، وترغيب في التمسك بمثل طريقتهم.
  ويدل قوله: {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} أن في المعاصي ما يُكَفَّرُ بالإضافة إلى الحسنات، على ما نقوله في الصغائر، وإن حمل على المغفرة بالتوبة، فتدل أنه يغفر جميع المعاصي قتلاً كان أو غيره.