قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون 47 والأرض فرشناها فنعم الماهدون 48 ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49 ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين 51 كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون 52 أتواصوا به بل هم قوم طاغون 53 فتول عنهم فما أنت بملوم 54 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55}
  وثالثها: أنه يجب ألا يجب على الكفار شكر، وهذا خلاف الإجماع.
  ورابعها: أن التذكير إنما وجب حثًّا على الشكر، وعندهم سواء ذكّر أو لم يذكّر، أو جاءه رسول، أو لا يذكرونه في أداء الشكر بل الأمر موقوف على خَلْقِهِ إِنْ خَلَقَ الشكر من غير تذكير كان شاكرًا، وإن لم يخلق والدنيا ملأى من الرسل يذكرونه لا يحصِّل شاكرًا، فأي فائدة في قوله: {وَذَكِّرْ}، إلى غير ذلك من الوجوه التي يطول تقصِّيها.
  فأما الثاني: أن يذكر بنقمه النازلة بالأمم، فأهل العدل يقولون: لا تسلك طريقتهم؛ حتى لا ينزل بك ما نزل بهم، واسلك طريق الرسل؛ لتنال من الثواب ما نالوا، فيصح ويفيد التذكير، فأما الْمُجْبِرَة إذ قالت ذلك فإذا قيل لهم: أتقدر على الامتناع من المعاصي بتذكيرك؟، فمن قولهم لا حتى يخلق فيكم وتعطوا القدرة الموجبة لكم، فيقال: فاسكتوا حتى يخلق؛ لأنه سواء ذكر أو لم يذكر فالأمر موقوف على خلقه تعالى، فهذا وجه.
  ويقال لهم: أيجوز أن يعذب الله أتباع الأنبياء والمؤمنين، ويثيب أولئك الفراعنة الكفرة؟ فمنهم من قال: بلى، ومنهم من يأبى فيلزم بأن يخلق في أولئك المؤمنين كفرًا، وفي أولئك الكفار إيمانًا ليصح الإلزام، فمن قول جميعهم: نعم يقال لهم: فأي فائدة في الذكر؟ وأي أمان منه؟
  وأما الثالث: فأهل العدل يقولون: أطيعوه لتنالوا الثواب، وهذا صحيح، والْمُجْبِرَة إذا قالت: أطيعوه، فيقال: أنقدر على ذلك؟ قالوا: لا حتى يخلق، ويعطى القدرة الموجبة، وهذا وجه.
  ويقال: الثواب جزاء على الأعمال أم شيء يبتدئ الله به من يشاء؟ فمن قولهم أنه ليس بجزاء، فيقال: فأي فائدة في الطاعة، وأي فائدة في التذكير؟