التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى 26 إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى 27 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا 28 فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا 29 ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى 30}

صفحة 6652 - الجزء 9

  تمنوا أن يشفعوا لأحد ما قدروا عليه، فإذا كان شفاعتهم لا تغني فَمَنْ دونهم كيف يغني «إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى» يعني لا يشفع أحد إلا بعد إذن من الله، ورضى منه به. بين أن الشفاعة تتعلق بشيئين أحدهما: إذنه، والثاني: رضاه بطريقته وسيرته «إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» أي: بالبعث والجزاء «لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى» قيل: كتسمية الأنثى، أو بتسمية الأنثى، قيل: قالوا: هم بنات الله، عن الحسن. «وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ» أي: لا يقولون ذلك عن علم «إِنْ يَتَّبعُونَ» في ذلك «إِلَّا الظَّنَّ وَإنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا» أي: لا يكفي عنه لقيامه مقامه، وقيل: لا يغني عن العلم، وقيل: لا يغني من الحق، أي: من العذاب شيئًا «فَأَعْرِضْ عَن مَنْ تَوَلَّى» قيل: أعرض عن مكافأتهم لا عن استدعائهم، وقيل: أعرض إعراض استخفاف بهم «تَوَلَّى» أعرض «عَنْ ذِكْرِنَا» قيل: القرآن، وقيل: الإيمان، وقيل: عن محمد ÷ كقوله: {ذِكْرًا ١٠ رَّسُوَلًا}⁣[الطلاق: ١٠ - ١١] يعني أَعْرَضَ عن الدين ووصف الله بما لا يليق به وكذَّب رسوله «وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» يعني قنع بالتمتع باللذات في الدنيا «ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ» أي: نهاية قدر علمهم، حيث آثروا الدنيا الفانية على الآخرة، وقيل: علمهم انتهى إلى نفع الدنيا دون نفع الآخرة، وهي حقيرة في جنب نعيم الآخرة مع دوامها، فتركوها لجهلهم «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» أي: دينه «وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى» فيجازي كل أحد بحسب عمله.

  · الأحكام: تدل الآيات أن الشفاعة لا تكون إلا بشرطين:

  أحدهما: إذنه تعالى.

  والثاني: أن يكون المشفوع مرضي الطريقة، فيبطل قول المرجئة في الشفاعة.

  وتدل على أن التولي والإعراض واتباع الظن والضلال والاهتداء فعل العبد، ليس