التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 1 له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير 2 هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم 3 هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير 4 له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور 5 يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور 6}

صفحة 6777 - الجزء 9

  نقص من الليل في النهار، ويزيده، وما نقص من النهار في الليل، عن عكرمة، وإبراهيم. «وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» أي: بما يكون في القلوب من الإرادات والكراهات، والاعتقادات، والظنون، والنظر، والندم، والعزم، والخوف، والحزن، إلى غير ذلك، وحذر بذلك عن المعاصي سرًّا وجهرًا.

  · الأحكام: يدل أول السورة على تنزيهه عن كل سوء، فوجب أن ينفى عنه خلق الكفر، والظلم والقبائح، وينفى عنه الضد والند، فيصح مذهب العدل والتوحيد، ومنها: أنه يكون موجودًا بَعْدُ ولا موجود سواه، فيكون آخِرًا، ولا يكون كذلك إلا على قولنا: إنه تعالى يفني الأشياء ثم يعيدها، ويديم الثواب والعقاب.

  ومتى قيل: كيف يكون آخِرًا، وعندكم أن الأجسام تفنى بفناء؟

  قلنا: قال مشايخنا: الفناء لا يبقى إلا وقتًا واحدًا، فتنتفي الأجسام والفناء.

  ومنها: أنه إذا كان أولاً وجب ألا يكون معه قديم آخر، فيبطل قول الكلابية، وجميع الصفاتية، ولا شبهة أنه يوصف بأنه أول إذ أوجد المحدثات، فأما وجوده قبل وجود الأشياء اختلف الشيوخ فيه، فمنهم من قال: يوصف بذلك، إذا كان المعلوم أنه سيوجد المحدثات بعده، ومنهم من قال: يوصف بذلك توسعًا؛ لأن حقيقته تقتضي أنه وجد قبل وجود غيره.

  ويدل قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أنَّه ليس على العرش، وفيه زجر عن المعاصي، وكذلك قوله: {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

  ويدل ما عَدَّ من أفعاله على أنه قادر، عالم، حي على الكمال؛ لاستحالة صحتها ممن ليس هذا حاله.