التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون 26 ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27 ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم 28 لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 29}

صفحة 6806 - الجزء 9

  يقدر يعلم أنه لا يقدر، وقيل: ليعلموا أنهم يقدرون إن أسلموا، فيحوزون الفضل؛ لأنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون على الإيمان علموا أنهم يقدرون على ذلك.

  ومتى قيل: لم سمى الثواب فضلاً، وهو مستحق؟

  قلنا: لأنه بالتكليف والتمكين عرضه للثواب، فكأنه منه.

  وقيل: لأنه يحصل بالإيمان، وذلك يحصل بتمكينه ولطفه وهدايته، فكأنه منه، هذا على قول مشايخنا.

  وقيل: لأن العبادات مُسْتَغْرَقَة في شكر نعمه، وكان الثواب تفضلاً، عن أبي القاسم.

  وقيل: طاعاتنا قليلة، وثوابه دائم.

  وقيل: خدمة العبد لمولاه مستحق، فإذا ضمن الثواب عليها كان فضلاً، والأوجه هو الأول.

  «وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ» أي: هو القادر على ذلك «يُؤْتِيهِ» يعطيه «مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».

  · الأحكام: الآية تدل على أن الأنبياء من ذُرِّيَّة نوح وإبراهيم، وأن من ذريتهما مهتديًا وفاسقًا.

  وتدل أن الفاسق ليس بمهتدٍ.

  ويدل قوله: {وَرَهْبَانِيَّةً} أن من دخل في عبادة وجب عليه إتمامها على ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه في الصوم والصلاة والحج، وقد وافقهم الشافعي في الحج، وخالفهم في الصوم والصلاة، والآية تدل عليه؛ لأنه ذمهم حيث لم يتموا ما ابتدأوا، الحج بحجة؛ لأن الصوم عبادة تلزم بالبدن، فتلزم بالشروع كالحج.

  وتدل أن تلك الرهبانية فعلُهم، ليس بخلق الله تعالى.

  ويدل قوله: {مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أن الثواب مستحق على الأعمال.