قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل 1 إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون 2 لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير 3 قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير 4 ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم 5}
  فخرجوا، وأدركوها بالمكان الذي قال رسول الله ÷، فقالوا: أين الكتاب، فحلفت ما معها كتاب، وفتشوا متاعها فلم يجدوا، فهموا بالرجوع، فقال علي بن أبي طالب:
  والله ما كذبنا ولا كذبنا، وسَلَّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب، وإلا ضربت عنقك، فأخرجت من ذؤابتها كتابًا، فخلوا سبيلها، ورجعوا إلى رسول الله ÷، فدعا حاطبًا وقال: «ما حملك على ما صنعت»؟ فقال: والله ما كفرت، أردت أن أتخذ عندهم يدًا؛ لأن أهلي بين أظهرهم، وعلمت أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم، فَقَبِلَ عذره، فقام عمر، وقال: دعني أضربْ عنقه فإنه قد نافق، فقال ÷: «ما يدريك يا عمر، لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، فأنزل الله تعالى في شأن حاطب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.
  فأما ما روي من الخبر، فلا بد من تأويل؛ لأنه لو حمل على ظاهره كان إغراء بالمعصية، وكيف يغفر جميع ما يأتيه أهل بدر، وهو تعالى يقول لرسوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥] فالمراد تعظيم أهل بدر، أو أراد هذا الواحد، وأخبر بذلك لعلمه أنكم لا تفعلون كبيرة، أو يحمل على أنه لو غفر جميع الذنوبِ لأحدٍ لغفر لهم، أو علم من حالهم الموافاة بالتوبة على أنه خبر واحد، قإن صح فالمعنى ما ذكرنا.
  · المعنى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ» قيل: عدوي بمخالفته لأمري، وقيل: عدو أوليائي، وهذه الموالاة المنهي عنها، وهو الموالاة في الدين والتناصر إن طلبوا النصر والحياطة، عن أبي علي. «تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» المراد: لا تحابوهم، وقيل: الباء زائدة، تقديره: تلقون إليهم المودةَ، كقولهم: أريد أن أذهب، وأريد بأن أذهب، وقيل: تلقون إليهم ما يريدون بالمودة «وَقَدْ كفروا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» يعني القرآن والإسلام «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ» عن مكة «وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ» أي: