التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم 10 تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 11 يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم 12 وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين 13 ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين 14}

صفحة 6906 - الجزء 9

  وقيل: يا أيها الَّذِينَ آمنوا بسائز الأنبياء آمنوا بمحمد ÷ وعليهم، والوجه فيه أنه أمر بالثبات على الإيمان والجهاد.

  «خَيرٌ» أي: أنفع «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلمُونَ» الخير والشر والنفع والضر، عن أبي مسلم.

  وقيل: بذل الجهد في الطاعة خير لكم، عن أبي علي. وقيل: ما أمرتكم خيرٌ لكم من دفعه عنكم؛ لأنه يؤدي إلى الثواب الدائم «يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» إذا تبتم «وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» أي: يجري الماء في الأنهار تحت أشجارها وأبنيتها «وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً» أي: مواضع لتسكنونها طيبة من طيبها {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}⁣[الكهف: ١٠٨] عوجًا، وسأل الحسن عمران بن الحصين وأبا هريرة عن تفسير: «وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً» فقالا: على الخبير سقطت، سألنا رسول اللَّه ÷ عن ذلك فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرًا، على كل سرير سبعون فراشًا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، وفي كل بيت سبعون مائدة من أنواع الطعام». «فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» أي: إقامة لا ظعن عنها «ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» أي: الظفر بالمطلوب «وَأُخْرَى» أي: ولكم خصلة أخرى مع الثواب الدائم، وقيل: تجارة أخرى «تُحِبُّونَهَا» الهاء كناية عن محذوف، أي: تحبون تلك الخصلة إِنْ تلك التجارة أو النصرة أو الفتح، وفي الآجل الجنة والنعيم الدائم، وقيل: فتح قريب هو فتح مكة، وقيل: بل هو عام، وقد توالت فتوح الإسلام، ومعنى «قَرِيبٌ» قيل: قريب كونه، وقيل: دنت منكم بقرب الرجوع منها إلى الأوطان.

  ثُمَّ حثهم على الجهاد، فقال - سبحانه -: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ» قيل: (أَنْصَارَ اللَّهِ) أي: أعوان لله، فأضاف إلي نفسه تشريفًا، كقولهم للكعبة: بيت