التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا 1 فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا 3 واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا 4 ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا 5}

صفحة 6969 - الجزء 10

  يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا» قيل: يبدو لزوجها فيراجعها في العدة الأولى والثانية، عن الضحاك، والسدي، وابن زيد. فالمضاف إلى الله إباحة المراجعة عند ندمه، وقيل: أن تحدث شدة شهوة إليها ورغبة فيها فتدعوه إلى المراجعة «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» أي: أشرفن على انقضاء عدتهن، ولم يرد انقضاءَها؛ لأن بعد انقضانها لا يخير الزوج بين الإمساك والفرقة «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» أي: راجعوهن بمعروف، وقيل: المعروف النفقة والمسكن والكسوة وحسن الصحبة «أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيَبِنَّ منكم، فلا تمسكوهن لضرار وتطويل العدة، وقيل: الأجل أجل الطلاق الثاني، راجع إن شاء، وإن شاء طلق، فعلى القول الأول: تخيير بين الرجعة والكف عنها حتى تنقضي العدة، وعلى الثاني: تخيير بين الرجعة والطلاق، غير أن أكثر المفسرين على القول الأول «وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ» قيل: على الرجعة، عن ابن عباس، وجماعة من المفسرين. وقيل: على الطلاق، وليس بشيء لإجماع الفقهاء أن الطلاق يقع من غير إشهاد.

  فأمَّا الرجعة فقيل: الإشهاد مستحب، وليس بواجب، أمر به احتياطًا لكي لا تنكر الرجعة بعد انقضاء العدة، فيكون أقطع للريب، وسوء المقال، وهو قول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وقيل: إنه واجب، وهو قول الشافعي. «وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ» خطاب للشهود ليؤدوا الشهادة لله من غير زيادة ولا نقصان، ولا لنفع أو دفع «ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» يعني ما تقدم موعظة من الله لكم، وخص المؤمنين لأنهم ينتفعون به، ومن لا يؤمن بِاللَّهِ وبالبعث كيف ينتفع بالوعظ «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ» أي: اتقى معاصيه، وتمسك بطاعته «يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا» قيل: فرجًا، وقيل: من يطلق للسنة يجعل له مخرجًا إلى الرجعة «وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ»، عن عكرمة، والشعبي، والضحاك، وقيل: هو عام، من يتق الله يلطف له فيوسع على رزقه، ويخلو من محن الدنيا، وقيل: من يتق الله يجعل له مخرجًا من عذاب الآخرة، وهموم الدنيا «وَيَرْزُقْهُ» في الجنة «مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ» وهذا أوجه. وقيل: من يتق له يجعل له مخرجًا