قوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى 36 ألم يك نطفة من مني يمنى 37 ثم كان علقة فخلق فسوى 38 فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى 39 أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى 40}
  · النزول: عن البراء بن عازب: لما نزلت هذه الآية: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قال النبي ÷: «سبحانك، بلى».
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنهم لم يُتركوا هَمَلاً زجرًا لهم، فقال سبحانه: «أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ» الألف ألف استفهام، والمراد الإنكار، أي: لا ينبغي أن يظن ذلك، والإنسان، قيل:
  أراد الجنس وهو الوجه. وقيل: أراد أبا جهل «أَنْ يُتْرَكَ سُدًى» مهملاً، لا يُؤمَر ولا يُنْهَى، عن ابن عباس، ومجاهد. «أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى» أي: كيف يظن أن يهمل وهو يرى في نفسه من تنقل الأحوال ما يدل أن له صانعًا حكيمًا، وأنه بلغه وأكمل عقله وقدره، وخلق فيه الشهوة والدواعي، فمع هذا لا يجوز أن يخليه من تكليف. «يُمْنَى» قيل: يقدر، وقيل: يخرج من ذكر «ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً» قطعة دم، صار المني علقة «فَخَلَقَ»، ثم خلق منه الخلق «فَسَوَّى» خلقه وصوره وأعضاءه الباطنة والظاهرة ببطن أمه. وقيل: سوَّاه إنسانًا على ما نشاهده «فَجَعَلَ مِنْهُ [الزَّوْجَيْنِ]» أي: خلق منه، قيل: من الإنسان من «الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» وقيل: من المني، فلا بد من غرض، وذلك هو التعريض للثواب بالتكليف «أَلَيْسَ ذَلِكَ» من جعل ذلك «بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى» للبعث والجزاء.
  · الأحكام: تدل الآيات على أحكام:
  منها: أن الإنسان إذا حصل فيه شرائط التكليف من القوة والعقل والشهوة لا بد أن يكلف.
  ومتى قيل: لِمَ لَمْ يجز ذلك؟
  [قلنا]: لأنه يكون بخلق الشهوة مُغْرًى بالقبائح، فلا بد من أمر ونهي.
  ومنها: أن من قدر على الابتداء في خلق الأجسام والحياة قدر على إعادتها، وهو القادر للذات.
  ومنها: صحة الاحتجاج في الدين.
  ومنها: صحة قياس العقلي؛ لأنه اعتبر إنشاءه الثانية بالنشأة الأولى.