قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين 258}
  من الفساد، وقيل: لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه، وقيل: لا يهديهم بألطافه وتأييده إذ علم أنه لا لطف لهم، وقيل: لا يحكم بهدايتهم، وقيل: لا يهديهم إلى الجنة.
  · الأحكام: تدل الآية على أن المعارف مكتسبة غير ضرورية؛ لذلك صحت المحاجة، ولو كانت ضرورية لقبحت المحاجة كسائر الضروريات.
  وتدل على بطلان التقليد؛ إذ لو كان طريقًا للعلم لما احتيج إلى المحاجة.
  وتدل على صحة القياس والاستدلال؛ لأن المحاجة بها تتم.
  وتدل على أن هذا الذي حاج كان يدعي الربوبية لنفسه؛ لذلك قال: أنا أحيي وأميت.
  وتدل على أن الطريق إلى معرفته سبحانه - هو فعل ما لا يقدر عليه غيره؛ لذلك احتج مرة بالحياة والموت؛ لأنهما من أظهر ما يذكر في هذا الباب، فيدل على أنه إنما يعلم بأفعاله، وتدل على أن ما عارض به إبراهيمَ تلبيس لم يخف على أحد بطلانه؛ لأنه احتج بالاختراع، فعارضه بالعبارة، فلذلك سكت عن الجواب.
  وتدل على حسن إيراد حجة بعد حجة تأكيدًا إذا ظهرت الأولى؛ لذلك انتقل إبراهيم، وإبراهيم إنما احتج بإيجاد ما لا يقدر عليه غيره، فجميع ما يدخل في هذه الجملة يصح أن يجعل مثالا بعد مثال، فالانتقال لم يقع في الحجة كما لو استدل بتحريك الأفلاك، ثم عقبه بسكون الأرض، وإنما اختار إبراهيم # الإحياء؛ لأنه - مع دلالته على القديم سبحانه - أَوَّلُ النعم وأصلها، فنبه على التوحيد وعلى نعمه على ذلك الكافر وغيره.